واحتجّ من زعم أنّ مثل هذا العالم ممتنع بوجهين :
أحدهما : أنّه لو وجد عالم آخر [ لكان كرة مثل هذا العالم ولا يمكن وجود كرتين متماثلتين إلاّ بتحقّق فرجة بينهما.
الثاني : أنّه لو وجد عالم آخر ] (١) مثل هذا العالم ، لكان فيه أيضا العناصر الأربعة ، فإن لم تطلب أمكنة عناصر هذا العالم لزم اختلاف متّفقات الطبائع في مقتضياتها ، وإن طلبت ليكون في الأمكنة الأخر بالقسر دائما.
والجواب عن الأوّل : أنّا لا نسلّم أنّ العالم كرة ، ولو سلّم فلا نسلّم وجوب الخلاء بينهما ، لم لا يجوز أن يكونا في ثخن جسم آخر؟
وعن الثاني : أنّا لا نسلّم أنّه يلزم اختلاف متّفقات الطبائع في مقتضياتها.
أقول : يجوز أن يقتضي كلّ في عالمه مكانا مماثلا لمكان مماثله ، مثلا أرض كلّ عالم تقتضي مركز هذا العالم ، ونار كلّ عالم تقتضي محيط هذا العالم.
وإنّما لم يسند المنع بما أسند في المشهور ، أعني يجوز أن يكون طبائع عناصر عالم مخالفة لطبائع عناصر عالم آخر وإن كانت مماثلة لها في الجسميّة ؛ لأنّ اختلاف طبائع عناصر العالمين ينافي تماثلهما.
وإلى هذين الجوابين أشار بقوله : ( والكرويّة ووجوب الخلاء ، واختلاف المتّفقات ممنوعة ).
واختلفوا في أنّ العالم هل يصحّ أن يعدم ويفنى أم لا؟ فذهب الفلاسفة إلى امتناعه ؛ ذهابا إلى قدمه ، وما ثبت قدمه امتنع عدمه. وذهب الكراميّة والجاحظ إلى أنّ العالم محدث ومع ذلك ممتنع الفناء.
وذهب الاشاعرة وأبو عليّ إلى أنّ جواز فناء العالم يعلم بالعقل.
وذهب أبو هاشم إلى أنّه إنّما يعرف بالسمع.
__________________
(١) الزيادة أثبتناها من المصدر.