والمصنّف اختار أنّ جواز عدمه يعلم بالعقل ، ووقوع عدمه بالسمع. أمّا الأوّل فلأنّه ممكن والممكن يجوز له العدم كما يجوز له الوجود ؛ إذ لو امتنع عليه العدم لزم الانقلاب من الإمكان إلى الوجوب.
وإلى هذا المعنى أشار بقوله : ( والإمكان يعطي جواز العدم ).
أقول : فيه نظر ؛ لأنّ الممكن يجوز أن يمتنع فناؤه أعني عدمه الطارئ بعد وجوده ، ولا يلزم من ذلك انقلابه من الإمكان الذاتي إلى الوجوب الذاتي ، وإنّما كان يلزم لو امتنع عليه العدم مطلقا طارئا كان أو مبتدأ. وقد مرّ بيان ذلك مستقصى في مبحث أنّ المعدوم لا يعاد.
وأمّا الثاني ؛ فلأنّ الدلائل السمعيّة تدلّ على وقوع العدم. مثل قوله تعالى : ( كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ ) (١) ، ( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ ) (٢) والآخريّة في حقّه تعالى إنّما تتحقّق أن لو بقي بعد فناء ما سواه. وقوله تعالى : ( يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ) (٣) إلى غير ذلك من النصوص القطعيّة.
وإلى هذا المعنى أشار بقوله : ( والسمع دلّ عليه ) أي على العدم.
وقوله : ( ويتأوّل في المكلّف بالتفرّق كما في قصّة إبراهيم عليهالسلام ) إشارة إلى جواب دخل مقدّر تقديره : أنّ القول بوقوع العدم ينافي القول بالمعاد ؛ لأنّ إعادة المعدوم ممتنعة ، فإذا وقع العدم امتنعت الإعادة ، فلم يتحقّق المعاد.
وتقرير الجواب : أنّه لا إشكال في غير المكلّفين فإنّه يجوز أن يعدم بالكلّيّة ولا يعاد. وأمّا بالنسبة إلى المكلّفين فإنّه يتأوّل العدم بتفرّق الأجزاء ، ويتأوّل المعاد بجمع تلك الأجزاء وتأليفها بعد التفريق.
والذي يصحّح هذا التأويل قصّة إبراهيم عليهالسلام فإنّه طلب إراءة إحياء الموتى حيث
__________________
(١) الرحمن (٥٥) : ٢٦.
(٢) الحديد (٥٧) : ٣.
(٣) الأنبياء (٢١) : ١٠٤.