العكس بالإجماع المركّب فيتمّ المطلوب.
قلت : الإجماع المركّب ممنوع ، مع أنّ مقتضى قوله تعالى : ( أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى ) (١) و ( إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) (٢). ونحوهما المتناسبين لرحمته الواسعة عدم العكس ، وهما مقدّمان ؛ لقوّتهما بالاشتهار والكثرة والاعتبار. هذا مضافا إلى إمكان إرادة أنّ الحسنات تقتضي عدم صدور السيّئات ، تقتضي لغلبتها.
ويظهر ممّا ذكرنا الجواب عن الاستدلال للإحباط بقوله تعالى : ( لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى ) (٣) ونحوه ؛ إذ إبطال شيء خاصّ لا يستلزم العموم ، مضافا إلى أنّه بيان لشرط مقبوليّة الصدقات أو نحوها.
فإن قلت : عدم الإحباط يستلزم عدم خلوص الثواب والعقاب. أمّا مع الاجتماع فظاهر ، وأما مع التعاقب ؛ فلأنّ انتظار ما يخالف الواقع يهوّن ذلك الواقع.
قلت : إنّ العقاب مقدّم مع عدم تذكّر الثواب ؛ لشدّة العقاب فيكون خالصا.
وأمّا العفو ، فمع التوبة جائز كتابا وسنّة وإجماعا بل وعقلا ؛ لقوله تعالى : ( إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ ) (٤) ونحوه ، وبدونها فالظاهرين من الإطلاقات بل العمومات كقوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ) (٥) ، وقوله تعالى : ( قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ) (٦) ذلك (٧). والتخصيص بما تاب عنه خلاف الظاهر.
__________________
(١) آل عمران (٣) : ١٩٥.
(٢) التوبة (٩) : ١٢٠.
(٣) البقرة (٢) : ٢٦٤.
(٤) طه (٢٠) : ٨٢.
(٥) النساء (٤) : ٤٨.
(٦) الزمر (٣٩) : ٥٣.
(٧) خبر لقوله : « فالظاهر ».