ما تحت فلك القمر يلحق كلّ شيء من حرارته إلى النار ومن هوائه إلى الهواء ومن مائه إلى الماء ومن ترابه إلى التراب ، وهذا لا يرجع. فهذا كتب لأهله ، ومرادي منه ـ والله الشاهد عليّ ـ أنّه الجسد التعليمي ، والجسم التعليمي ، وهو ذو الأبعاد الثلاثة من دون مادّة ، كالصورة في المرآة ، فإنّها أعراض ، والأعراض الغريبة التي ليست من ذوات الشيء لا تعاد معه ، ألا ترى إلى جلد كتابك إذا كان أحمر ثمّ عاد إلى يوم القيامة إلى الشاة لا تعود الحمرة معه ؛ لأنّها أجنبيّة من الجلد ومن الشاة.
ولا يقال : إنّك قلت : من العناصر ، وهو يدلّ على أنّ المراد الجواهر.
لأنّا نقول : كلّ ما في هذه الدنيا ممّا تحت فلك القمر كلّها من العناصر جواهرها وأعراضها ، والأعراض الغريبة من الشيء كلّها من العناصر ومع ذلك لا تعاد يوم القيامة مع ذلك الشيء ، ألا سمعت ما كتبت في كثير من كتبي؟ فإنّي كتبت : أنّ الجسم الذي يعاد يوم القيامة لو وزن بهذا المرئيّ الموجود في هذه الدنيا الملموسة لم ينقص عن هذا الذي في الدنيا قدر ذرّة. ولو كان مرادي به الجسم أو فردا منه ولم أرد العرض لكان المبعوث ينقص إذا وزن البتّة. وإن يخف عليك فهم مرادي فانظر في هذه المسألة في كتب العلماء كالتجريد وشرحه للعلاّمة (١) ، وكتب المجلسي مثل حقّ اليقين (٢) وغيرها ممّا هو متّفق عليه بينهم.
وقد أشار سيّدنا أمير المؤمنين عليهالسلام في حديث الأعرابي إلى تلك الفضلات التي قال العلماء : إنّها لا تعاد. قال حين سأله الأعرابي ، فقال له : يا مولاي ، ما النباتيّة؟ قال : « قوّة أصلها الطبائع الأربع بدء إيجادها عند مسقط النطفة مقرّها الكبد ، مادّتها من لطائف الأغذية ، فعلها النموّ والزيادة ، وسبب فراقها اختلاف المتولّدات ، فإذا فارقت عادت إلى ما منه بدأت عود ممازجة لا عود مجاورة ». الحديث.
وهو معروف عند أهل الفنّ ، مقبول لا رادّ له منهم.
__________________
(١) « كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد » : ٤٠٦ وما بعدها.
(٢) « حقّ اليقين » : ٤٧ وما بعدها.