فإذا ثبت أنّه فعل القلب وجب أن يكون عبارة عن التصديق ؛ لأنّ فعل القلب إمّا التصديق وإمّا المعرفة ، والثاني باطل ؛ لأنّه على ذلك التقدير يكون منقولا عن معناه اللغوي ، وكان على الشارع أن يبيّن النقل بالتوقيف كما بيّن نقل الصلاة والزكاة وأمثالهما ، ولو نقل لاشتهر اشتهار نظائره. بل كان هو بذلك أولى ، لكنّ الشارع لم يزد على أن قال : « الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته ». الحديث (١) كما نقلنا عنه صلىاللهعليهوآله آنفا.
والدليل على أنّ الأعمال خارجة عن الإيمان أنّه جاء الإيمان مقرونا بالعمل الصالح معطوفا هو عليه في غير موضع من الكتاب نحو : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) (٢) ، و ( مَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً ) (٣). وظاهر أنّ الشيء لا يعطف على نفسه.
وأيضا قد قرن الإيمان بضدّ العمل الصالح نحو : ( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ) (٤) فأثبت الإيمان مع وجود القتال ، وظاهر أنّ الشيء لا يمكن اجتماعه مع ضدّه ولا مع ضدّ جزئه.
( والكفر عدم الإيمان ) عمّا من شأنه. وهذا معنى عدم تصديق النبيّ صلىاللهعليهوآله في بعض ما علم مجيئه به بالضرورة. والظاهر أنّ هذا أعمّ من تكذيبه صلىاللهعليهوآله في شيء ممّا علم مجيئه به ، على ما ذكر الإمام الغزالي ؛ لشموله الكافر الخالي عن التصديق والتكذيب.
وإلى هذا أشار بقوله : ( إمّا مع الضدّ أو بدونه ) يعني أنّ عدم الإيمان أعمّ من أن يكون مقارنا لضدّ الإيمان وهو التكذيب ، أو لا يكون مقارنا لضدّ الإيمان وهو التكذيب ، أو لا يكون مقارنا لضدّ الإيمان ، بأن يخلو عن كلا الضدّين.
واعتذار الإمام الرازي ـ بأنّ من جملة ما جاء به النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّ تصديقه واجب في
__________________
(١) تقدّم في ص ٣٢١ ، التعليقة ٦.
(٢) البقرة (٢) : ٢٥ ؛ آل عمران (٣) : ٥٧ ؛ النساء (٤) : ٥٧.
(٣) التغابن (٦٤) : ٩ ؛ الطلاق (٦٥) : ١١.
(٤) الحجرات (٤٩) : ٩.