كلّ ما جاء به ، فمن لم يصدّقه فقد كذّبه في ذلك ـ ضعيف ؛ لظهور المنع.
فإن قيل : من استخفّ بالشرع أو الشارع أو ألقى المصحف في القاذورات أو شدّ الزنّار (١) بالاختيار كافر بالإجماع وإن كان مصدّقا للنبيّ صلىاللهعليهوآله في جميع ما جاء به ، وحينئذ لا يكون حدّ الإيمان مانعا ولا حدّ الكفر جامعا. وإن جعلت ترك المأمور به وارتكاب المنهيّ عنه علامة التكذيب وعدم التصديق لم يكن حدّ الإيمان جامعا ؛ لخروج غير الكفرة من الفسّاق عنه ، ولا حدّ الكفر مانعا ؛ لدخوله فيه.
قلنا : لو سلّم اجتماع التصديق المعتبر في الإيمان مع تلك الأمور التي هي كفر وفاقا فيجوز أن يجعل بعض محظورات الشرع علامة التكذيب فيه ، فيحكم بكفر من ارتكبه ، وبوجود التكذيب فيه ، وانتفاء التصديق عنه كالاستخفاف بالشرع وشدّ الزنّار ، وبعضها لا كالزنى وشرب الخمر. ويتفاوت ذلك إلى متّفق عليه ، ومختلف فيه ، ومنصوص عليه ، ومستنبط من الدليل. وتفاصيله في كتب الفروع.
( والفسق : الخروج عن طاعة الله تعالى مع الإيمان. والنفاق : إظهار الإيمان وإخفاء الكفر. والفاسق مؤمن لوجود حدّه فيه ) خلافا للمعتزلة في مرتكب الكبيرة ، فإنّه عندهم لا مؤمن ولا كافر بل هو في منزلة بين المنزلتين.
( والأمر بالمعروف ) وهو الحمل على الطاعة سواء كان بالقول أو بالفعل ( الواجب واجب ، وكذا النهي عن المنكر ) وهو المنع عن فعل المعاصي قولا أو فعلا واجب ( و) الأمر ( بالمندوب مندوب ) وكذا النهي عن المكروه مندوب ( سمعا ).
اختلفوا في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنّه بحسب الشرع أو بحسب العقل؟ فذهب الجبائي وابنه إلى وجوبهما عقلا (٢).
وذهب الأشاعرة إلى وجوبهما شرعا. واختاره المصنّف فقال : إنّهما واجبان سمعا.
__________________
(١) الزنّار والزنّارة : « ما على وسط المجوسي والنصراني. وفي « التهذيب » : ما يلبسه الذي يشدّه على وسطه ».
« لسان العرب » ٤ : ٣٣٠ « زنر ».
(٢) حكاه القاضي عبد الجبّار عن أبي عليّ الجبائي في « شرح الأصول الخمسة » : ٧٤٢.