يدخلها قوم فرتّب الله تعالى على تلك الطاعة والعصيان آثارا في طينتهم وأخلاقهم توجب التوفيق والخذلان وشدّة المحنة في دار الدنيا.
ففي رواية زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال : لو علم الناس كيف كان ابتداء الخلق لما اختلف اثنان ، فقال : إن الله تبارك وتعالى قبل أن يخلق الخلق قال : كن ماء عذبا أخلق منك جنّتي وأهل طاعتي ، وقال : كن ماء ملحا أجاجا أخلق منك ناري وأهل معصيتي. ثمّ امتزجا ، فمن ذلك صار يلد المؤمن كافرا ، والكافر مؤمنا. ثمّ أخذ طين آدم من أديم الأرض ، فعركه عركا شديدا ، فإذا هم كالذرّ يدبّون ، فقال لأصحاب اليمين : إلى الجنة بسلام ، وقال لأصحاب النار : إلى النار ، ولا أبالي. ثم أمر نارا فأسعرت ، فقال لأصحاب الشمال : ادخلوها ، فهابوها. وقال لأصحاب اليمين : ادخلوها ، فدخلوها ، فقال : كوني بردا وسلاما. فقال أصحاب الشمال : يا ربّ أقلنا ، فقال : قد أقلتكم فادخلوها ، فذهبوا فهابوها ، فثمّ ثبتت الطاعة والمعصية ، فلا يستطيع هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء ، ولا هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء (١).
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم بسنده عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر عن آبائه عليهمالسلام ، عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، قال ـ في خبر طويل ـ : قال الله تبارك وتعالى للملائكة : ( إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ. فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ ) (٢). قال : وكان ذلك من الله تقدمة في آدم قبل أن يخلقه واحتجاجا منه عليهم ، قال : فاغترف ربّنا تبارك وتعالى غرفة بيمينه من الماء العذب الفرات ـ وكلتا يديه يمين ـ فصلصلها في كفّه فجمدت ، فقال : منك أخلق النبيّين والمرسلين ، وعبادي الصالحين ، والأئمّة المهتدين ، والدعاة إلى الجنّة وأتباعهم إلى يوم الدين ، ولا أبالي ولا اسأل عمّا أفعل وهم يسألون. ثمّ اغترف غرفة اخرى من الماء المالح الاجاج ، فصلصلها في كفّه فجمدت ، ثمّ قال لها : منك أخلق الجبّارين والفراعنة والعتاة وإخوان الشياطين والدعاة إلى النار إلى يوم القيامة وأشياعهم ، ولا أبالي ولا أسأل
__________________
(١) البحار ٥ : ٢٥٢ ، عن المحاسن. وسبق بيان للحديث في ص ١٢٢.
(٢) الحجر ٢٨ ، ٢٩.