العمدة في باب معرفة الله تعالى ، وبها تمتاز المعارف الإلهيّة الحقّة عن غيرها ، وأمّا الأمر الذي أشرنا إليه في بعض التنبيهات السابقة ـ وهو مصنوعيّة العالم بما فيه ، واحتياج المصنوع إلى الصانع ـ فإنّه مما لا ينبغي خفاؤه على أحد من العقلاء. وقد أتمّ الله حجّته في ذلك بما مرّ ذكره من الآيات المباركة ونحوها ، كما قال الله تعالى في كتابه : ( أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) (١). وكذا الرسول الأكرم والأئمّة المعصومون صلوات الله عليهم ، في ما روي عنهم.
وطريق معرفة هذا الأمر : النظر الدقيق والتفكّر العميق في ذات المخلوق والمصنوع وسنخ حقيقته ، وفي معنى الشيئيّة بالغير والحقيقة بالغير ، وأنّ الشيء بالغير وإن كان شيئا منشأ للآثار ولكنّه ليس بشيء بحقيقة الشيئيّة ، بل هو محض الفقر والاحتياج في شيئيّته وثبوته وبقائه وتأثيره وتأثره إلى الغير. ثمّ التذكّر بأنّ كلّ ما يدرك حقيقته بإحاطة العقل والعلم ، وبالحواسّ الظاهرة والباطنة من الجواهر وما يعرضها من الأعراض والحركات بمعناها العام ، التي عرفت أنّها من سنخ المخلوق الواضح احتياجه إلى الخالق ، لو كان الخالق من سنخه وبأوصافه لجرى الحكم المذكور ـ أي الاحتياج إلى الخالق ـ فيه أيضا ، وهو خلاف حقيقته.
فيحكم العقل أي يظهر به ، أنّ الذي ليس بمخلوق ليس من سنخ المخلوق ولا يشبهه ، ولا يجري فيه ما يجري فيه ، كما سيأتي مزيد بيان له إن شاء الله تعالى.
وأمّا الآيات والروايات الواردة في أنّه تعالى خارج عن الحدّين فممّا لا يعدّ ولا يحصى.
أمّا بنحو الإجمال فمنه التكبير الذي أمر الله تعالى به رسوله الأكرم بقوله : ( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ. وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ) (٢). فصدع به رسول الله صلىاللهعليهوآله ، على ما في رواية المناقب (٣) ، رافعا به صوته مرّتين ، فجعله في مفتتح الأذان والإقامة ، وفي مختتمهما ،
__________________
(١) إبراهيم ١٠.
(٢) المدثر ١ ـ ٣.
(٣) البحار ١٨ : ١٩٧ ، عن المناقب.