وأما البر (١) وما أشبهه فإنه يخرج مدرجا في قشور صلاب على رءوسها أمثال الأسنة من السنبل ليمنع الطير منه ليتوفر على الزراع فإن قال قائل أوليس قد ينال الطير من البر والحبوب قيل له بلى على هذا قدر الأمر فيها لأن الطير خلق من خلق الله تعالى وقد جعل الله تبارك وتعالى له في ما تخرج الأرض حظا ولكن حصنت الحبوب بهذه الحجب لئلا يتمكن الطير منها كل التمكن فيعبث بها ويفسد الفساد الفاحش فإن الطير لو صادف الحب بارزا ليس عليه شيء يحول دونه لأكب عليه حتى ينسفه أصلا فكان يعرض من ذلك أن يبشم (٢) الطير فيموت ويخرج الزارع من زرعه صفرا فجعلت عليه هذه الوقايات لتصونه فينال الطائر منه شيئا يسيرا يتقوت به ويبقى أكثره للإنسان فإنه أولى به إذ كان هو الذي كدح فيه وشقي به وكان الذي يحتاج إليه أكثر مما يحتاج إليه الطير
( الحكمة في خلق الشجر وأصناف النبات )
تأمل الحكمة في خلق الشجر وأصناف النبات فإنها لما كانت تحتاج إلى الغذاء الدائم كحاجة الحيوان ولم يكن لها أفواه كأفواه الحيوان ولا حركة تنبعث بها لتناول الغذاء جعلت أصولها مركوزة في الأرض لتنزع منها الغذاء فتؤديه إلى الأغصان وما عليها من الورق والثمر فصارت الأرض كالأم المربية لها وصارت أصولها التي هي كالأفواه ملتقمة للأرض
__________________
(١) البر ـ بضم فتشديد ـ هو القمح ، الواحدة برّة.
(٢) يبشم الطعام : اي يتخم من الطعام.