قلت : أمّا ما قاله من استئذان ابن زياد فغير معلوم ، فإنّه كان عرف من خبث نفس يزيد كخبث نفسه أنّه راض بذلك ومنتظر له ، فكما بعث برأس مسلم ورأس هانئ إليه ساعة قتلهما بعث بالرؤوس والحرم بعد ورودهم الكوفة وحضور مجلسه ، فالمفهوم من الإرشاد (١) أنّهم وصلوا بالحرم يوم الحادي عشر على ابن زياد ، فبعث في غده بالرؤوس أوّلا بعد الطوف بها في الكوفة إلى الشام ، ثمّ بعث أهل الحرم فلحقوا بالأوّلين في الطريق. وإقامتهم في الشام غير معلومة ولم يكن يزيد يمسكهم لمكان الشنعة وخوف حصول ثورة.
روى الطبري وقعة الطفّ عن الباقر عليهالسلام وعن حصين بن عبد الرحمن وعن أبي مخنف ، وليس في واحد منها كتاب ابن زياد إلى يزيد في الاستئذان ، وإنّما روى الاستئذان في روايتها عن عوانة بن الحكم الكلبي ، وهي رواية شاذّة ففيها منكرات :
منها : بعد ذكر جعل ابن زياد أهل البيت في السجن : فبينا القوم محتبسون إذ وقع حجر في السجن معه كتاب مربوط ، وفي الكتاب خرج البريد بأمركم في يوم كذا وكذا إلى يزيد ، وهو سائر كذا وكذا يوما ، وراجع في كذا ، فان سمعتم التكبير فأيقنوا بالقتل ، وإن لم تسمعوا تكبيرا فهو الأمان فلمّا كان قبل قدوم البريد بيومين أو ثلاثة إذا حجر القي في السجن ومعه كتاب مربوط وموسى ، وفي الكتاب : اوصوا واعهدوا ، فإنّما ينتظر البريد يوم كذا وكذا. فجاء البريد ولم يسمع التكبير وجاء كتاب بأن سرّح الاسارى ... الخ (٢).
ومنها : عن فاطمة بنت الحسين عليهالسلام قالت ليزيد : ما تركوا لنا خرصا! فقال يزيد : يا ابنة أخي! ما آت إليك أعظم ممّا اخذ منك. ثمّ اخرجن فادخلن دار يزيد. وأرسل إلى كلّ امرأة ما ذا اخذ منك؟ وليس امرأة تدّعي شيئا بالغا ما بلغ إلاّ قد أضعفه لها ، فكانت سكينة تقول : ما رأيت رجلا كافرا بالله خيرا من يزيد ... الخ (٣).
ومنكريّة ما فيه كخبر الاستئذان واضحة.
__________________
(١) الإرشاد : ٢٤٢.
(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٤٦٣.
(٣) تاريخ الطبري ٥ : ٤٦٤.