له الانسانية الخارجية ، بل يقول : « أصل هذه الحقيقة مع قطع النظر عن وجودها وحصولها ثابتة لنفسها ، وامّا وجودها وحصولها في الأكوان فمن الجاعل ». ولمّا كانت هذه الماهيّة ثابتة لنفسها بدون تصوّر جعلها إذا كانت موجودة في الذهن دون الخارج يعلم منه أنّها إذا وجدت في الخارج يكون ثبوتها لنفسها أيضا بدون الجعل وإن كان وجودها من الجاعل. فالماهيّة الموجودة في الخارج وجودها وبروزها في الاكوان بتأثير المؤثّر ، ولكن كونها انسانا أو شجرا أو مثلّثا أو غير ذلك مع لوازمها الذاتيّة ليس بجعل جاعل وتأثير مؤثّر.
وممّا يدلّ على هذا انّه قد يتحقّق في بعض التقادير الحكم بثبوت الماهيّة الموجودة لنفسها مع عدم العلم بتأثير المؤثّر ؛ بيانه : انّ عدم العلم بتأثير المؤثّر قد يكون ناشئا من عدم التوجّه والالتفات من دون استلزامه لصحّة سلب جميع المفهومات لزوما بينا بالمعنى الأخصّ ، إذ اللزوم انّما هو بعد ترتيب مقدّمات. وحينئذ نقول : إذا أبصرنا زيدا مثلا يمكن أن يحصل لنا الجزم بانّه انسان مع عدم العلم بوجود مؤثّره ، وإذا كان كذلك فثبت كون الانسان انسانا عند عدم المؤثّر ، فتمّ الدليل. وأيضا يجوز أن يكون الشكّ في وجود المؤثر للشكّ في انّ هذا الشيء الموجود هل يحتاج إلى المؤثّر أم لا؟ ؛ وحينئذ تجويز عدم وجوده لا يستلزم صحّة سلبه عن نفسه. مثلا يمكن أن يرى شيء وكان له مؤثّر في الواقع ويجزم لثبوته ووجوده لنفسه ويشكّ في وجود مؤثّره ـ بناء على الشكّ في انّه هل هو ممكن محتاج إلى المؤثّر أم لا؟ ـ. ولا ريب انّ مثل هذا الشكّ لا ينافي القطع بثبوته لنفسه ، فثبت كون الانسان مثلا انسانا مع الشكّ في وجود مؤثّره ، ولو كان بتأثير المؤثّر لما حصل الجزم به بدون العلم بمؤثّره.
وقد علم بما ذكر انّ صدق سلب جميع المفهومات عن الماهيّة إذا كان لها نحو وجود خارجا أو ذهنا ممنوع. وكذا إذا كانت للماهيّات ثبوت في حاقّ الواقع ومتن نفس الأمر لم يصدق سلب جميع المفهومات عنها بحسبهما ، إذ نقول حينئذ : الانسان الثابت في الواقع ونفس الأمر لا ينفكّ عنه الانسانيّة الواقعيّة ، فماهيّة المثلّث حينئذ في حاقّ الواقع مثلّث من دون افتقار إلى الجعل والتأثير. نعم ؛ إن لم يكن للماهيّات ثبوت