يجيء ويذهب ، فالقول بتقدّمه وتأخّره من باب قياس محض اللاّشيء على الشيء ؛
قلنا : جواز تقدّم العدم على الوجود من البديهيات العقلية لا يمكن انكاره ، كيف وهو مشاهد؟!. على أنّ الحكماء مصرّحون بتقدّم العدم الذاتي للعالم عليه ، فما يقولون في جواز تقدّم هذا العدم نحن نقول في جواز تقدّم العدم الواقعي.
قيل : العدم الذاتي لعدم ايجابه الفصل بين الواجب والعالم لا يلزم أن يكون ممّا ينقضي ويتصرّم ويجيء ويذهب وإن وصف بالتقدّم في لحاظ العقل أو مرتبة من الواقع ، بخلاف العدم الدهري ، فانّه لايجابه الفصل بين الواجب والعالم لا بدّ من التزام تقضّيه وتصرّمه ومجيئه وذهابه. وحينئذ نقول : هذا العدم الواقعي الفاصل بين المبدأ وبين العالم إن لم يعتمد على زمان وظرف يتقضّى بتقضّيه فكيف يمكن أن يتقضّى بمحض نفسه ويصير منشئا للانفكاك وفاصلا بين الواجب والعالم؟! ، وأنّى يتأتّى له ذلك مع انّه من خواصّ الذوات المحصّلة الّتي يمكنها الذهاب والمجيء؟!. وإن اعتمد على ظرف فان كان الظرف ثبوتيا فكيف يكون الفاصل هو محض العدم؟! ، بل يرجع إلى القول بالزمان الموهوم ، وإن كان عدما فيرجع الاشكال الأوّل ـ أعني : لزوم كون العدم الصرف فاصلا بين الشيئين ومنشئا للانفكاك بينهما ـ وهو لزوم مضيّ محض العدم بنفسه من غير اعتماد على طرف موجود. وليس لهم أن يقولوا : انّ هذا العدم لا يمضي بنفسه بل بالجزء الأوّل من الزمان ، فانّه إذا وجد العالم وتحقّق الجزء الأوّل من الزمان إن كان بعده بعدا يجامعه بحيث لم يتحقّق به فصل بين الواجب والزمان لكان الزمان قديما ولزم الحدوث الذاتي ، وإن كان بعده بعدا لم يجامعه فقد صدق مضيّ العدم بنفسه لا بالزمان.
وتلخيص هذا الايراد : انّ هذا العدم الواقعي إن اتّصف بالسابقية وحصل به الفصل بين الواجب والعالم لكان له وعاء البتة ، فيكون قولا بالزمان الموهوم ؛ وإن لم يتّصف بالسابقية ولم يحصل به الفصل لزم الحدوث الذاتي.
قال بعض المثبتين للزمان الموهوم الموردين على الحدوث الدهري : إذا اتّصف العدم في نفس الأمر بأنّه سابق على الوجود سبقا غير ذاتي ـ كما يظهر من بعض كلمات