يكون تقدّم عدم العالم على وجوده هو التقدّم الدهري الّذي ذكرنا انّه أيضا من أحد اقسام التقدّم ؛ وقد بينّاه وأوضحناه على ما ينبغي.
فان قيل : على ما ذكر ليس الدهر وعاء حقيقيا وموجودا خارجيا يتصوّر فيه التفاوت والتقدّم والتأخّر ، بل قلتم : انّ الدهر والواقع هو حدّ الشيء ومرتبته ؛ وعلى هذا فلا يكون لعدم وعاء حتّى يتّصف هو بالتقدّم حقيقة والعدم به مجازا فيلزم أن يكون الموصوف بالتقدّم هو نفس العدم ، وهو باطل ؛
قلت : لو سلّم عدم التفاوت في الواقع وعدم اتصافه بالتقدّم والتأخّر نقول : انّ تقدّم العدم على الوجود يكون شبيها بالتقدّم بالذات ، بمعنى انّ العدم يكون متحقّقا مع التقدّم بالذات فالعدم يكون مع المتقدّم بالذات ، وبهذا الاعتبار اطلق عليه المتقدّم.
وما أورد عليه : بأنّ كون العدم مع التقدّم بالذات ممّا لا يتصوّر إلاّ إذا كان في وعاء ؛ ممنوع ، ولعلّ السند معلوم لك بعد أن خاطبتك بما سبق.
وما قيل : انّ ذلك العدم إمّا يكون مع العالم أيضا أو قبله ، لا مجال للأوّل ، فيكون قبله ، فلا ينفع الفرار منه.
والقول بأنّ اطلاق المتقدّم عليه على سبيل المجاز ، ففيه : انّ قبلية العدم مسلّمة ونحن نثبتها له ، ولكن نقول : هذا بواسطة المتقدّم بالذات لئلاّ يرد أنّ القدم من حيث هو لا يتصف بالتقدّم والتأخّر. فلا بأس!.
وبما ذكر يظهر فساد ما ذكره بعض المحشين من أنّ المراد بالبعدية في كلام المحقّق هي البعدية الزمانية ، إذ لا شكّ انّ تقدّم العدم على الوجود ليس ذاتيا ولا طبعيا ، إذ ليس لوجود العالم توقّف على عدمه حتّى يكون للعدم تقدّما ذاتيا أو طبيعيا على الوجود ؛ وظاهر أنّه لا يتصوّر من أقسام التقدّم هاهنا سوى الزماني ، فيكون العالم حادثا زمانيا. وإذا كان كذلك لا يكون الواجب موجبا وإلاّ لزم قدم أثره ـ أي : العالم ـ لكون الموجد قديما واجبا بالذات ؛ انتهى.
ووجه الفساد : ما تقدّم من بطلان الزمان الموهوم وتصوّر تقدّم أمر سوى الذاتى والطبيعى ـ أعني : التقدّم الدهري ـ. قال بعض أهل التحقيق : انّ تقدّم عدم العالم على