إذا لوحظت من حيث انّ بعضهم مستند إلى بعض آخر بمعنى احتياجه إليه في استفادة الوجود منه لا من الواجب حتّى يكون الواجب علّة بعيدة موصلة للأثر إليه لا مفيضة له الوجود ، لأنّ مقتضى طبيعة الممكن عند هؤلاء الانتهاء إلى الواجب لا استفادة الوجود منه ـ لكون السلسلة بهذا الاعتبار سلسلة طولية منتهية إليه تعالى ـ.
واعلم! أنّ كلّ معلول في السلسلة الطولية بهذا الاعتبار له احتياجان فقط : أحدهما احتياجه إلى العلّة القريبة ؛ وثانيهما : الاحتياج إلى الواجب من حيث انتهائه إليه. وأمّا احتياجه إلى غير الواجب من العلل البعيدة فلا يكون إلاّ بالعرض ، لأنّ العلل البعيدة غير الواجب ـ تعالى ـ في تلك السلسلة غير موصلة للأثر ؛ لأنّ العلّة البعيدة قسمان : إحداهما علّة بعيدة لا يوصل الأثر إلى المعلول كما في لوازم الماهية ، فانّ لازم الماهيّة انّما يحتاج إلى جاعل الماهية بالعرض لا بالذات ، لأنّه ليس احتياجه إليه باعتبار نفسه إذ لو فرض انّ ملزومه يصحّ وجوده بدون الجاعل لكان لازم الماهية لازما لها أيضا ـ :
وثانيهما : علّة بعيدة توصل الأثر إلى المعلول كالواجب ـ تعالى ـ ، لأنّه ثبت بالبرهان انّ كلّ ممكن من حيث ذاته ينتهي إلى الواجب ، فليس شيء من الممكنات غنيا عن الواجب ولا يكتفي بعلّة الغريبة ـ تعالى ـ. وهذا ـ أعني : احتياج المعلول إلى العلّة الغريبة ـ / ٦٥DA / وعلّة بعيدة واحدة ـ أعني : الواجب ـ أنما هو إذا وقع في السلسلة الطولية بهذا الاعتبار ـ أي : بالاعتبار الّذي ذكره هؤلاء الأقوام من احتياج الممكن إليه تعالى في الانتهاء لا في أصل الافاضة ـ وأمّا إذا وقع في السلسلة الطولية بالاعتبار الأوّل الّذي ذكرناه من أنّ كلّ ممكن محتاج إليه ـ تعالى ـ في أصل افاضة وجوده فيكون محتاجا إلى كلّ واحد من الشروط والوسائط ، فتأمّل! ؛ انتهى.
وغرضه ممّا اشار إليه أخيرا بقوله : ومن قال انّ بعض الممكنات ـ إلى آخره ـ : انّ الظاهر من كلام بعض الفلاسفة عدم تسليمهم للمقدمة القائلة بأن لا مؤثّر في الوجود إلاّ الله ، بل هؤلاء يثبتون الافاضة للوسائط وان قالوا بوجوب انتهاء الكلّ إلى مبدأ المبادي.