كان العلم بالمعلول حاصلا ، والمقدّمتان ظاهرتان بناء على القول بأنّ التعقّل يستدعي حصول ماهية مساوية للمعقول في العاقل » (١) صحيح لا خدشة فيه ويندفع عنه ما أورد عليه بعض الأفاضل : بأنّ تصوّر العلّة انّما يوجب تصوّر المعول إذا كانت العلّة بوجودها الذهني علّة لوجود المعلول في الذهن ، وحينئذ يكون المعلول لازما بيّنا للعلّة.
فقوله : « متى تعقّلنا العلّة بكنهها فقد حصل في الذهن ماهية موجبة لماهية المعلول » قلنا : قد حصل في الذهن مهيته إذا تحقّقت في الخارج تحقّق المعلول في الخارج ، فعلى كون ماهية العلة موجبة لماهية المعلول إن العلّة بوجودها الخارجي تستلزم وجود المعلول في الخارج لا انّها بوجودها الذهني تستلزم وجود المعلول في الذهن ، وهذا هو المطلوب ؛ انتهى.
ووجه الاندفاع انّ تعقّل العلّة بالكنه لا ينفكّ عن تعقّل اللوازم الّتي من جملتها المعلول ، فيلزم من تعقّلها بالكنه تعقّله لدخول تعقّل المعلول في تعقل العلّة بالكنه. فما ذكره ايرادا عليه خبط وهفوة صدرت عن غير التأمّل.
وإذا ثبت انّ العلم بالعلّة بكنهها أو بالوجه الّذي ينشأ منه المعلول يوجب العلم / ١٣٤ MA / التامّ بالمعلول فنقول : ثبت منه ما نحن بصدد اثباته في هذا المقام ، وثبوت العكس وعدم ثبوته لا مدخلية له في المطلوب. إذ نقول : مع ثبوت تلك المقدّمة لا ريب في أنّه ـ تعالى ـ علّة لجميع الموجودات وعالم بذاته المقدّسة بكنهها وبالوجه الّذي ينشأ منها المعلولات ، فيلزم كونه ـ تعالى ـ عالما بجميع الموجودات لأنّ ذاته علّة موجدة لجميع ما عداه وجميع الموجودات حسّيا كان أو عقليا معلول له ـ إمّا بدون واسطة أو بواسطة هي منه ـ ، والعلم التامّ بالعلّة يستلزم العلم التامّ بمعلولها ، فيلزم كونه ـ تعالى ـ عالما بالموجودات بحقائقها ولوازمها وملزوماتها ؛ وبذلك ثبت المطلوب.
ومنها : ـ أي : من الادلّة الدالّة على علمه تعالى ـ : انّه ـ تعالى ـ لمّا كان مبدأ لجميع الموجودات الّتي منها العلماء بذواتهم كان عالما بذاته بالضرورة ، لكون الفاعل
__________________
(١) ما وجدت العبارة في المحصّل.