العلم الاجمالي به في هذا الوقت كافّ في ذلك ، ولا يلزم الالتفات إليه في هذا الوقت على التفصيل ، إذ كثيرا ما يستدلّ على المطالب بمقدّمات استقرّت في ذهننا وإن لم نكن ملتفتا إليها في هذا الوقت. لكن لا يخفى انّ هذا انما هو في المقدمات البعيدة وامّا فى المقدمات القريبة فلا يتحقّق الاستدلال بدون الالتفات إليها. والظاهر انّ علمه / ١٣٥ MA / ـ تعالى ـ من المقدمات القريبة لاثبات النبوّة فلا بدّ من الالتفات إليه.
ويمكن أن يراد بالالتفات المنفي الالتفات على التفصيل والتوضيح ، دون الالتفات في الجملة.
ثمّ قيل : انّ ما ذكره المجيب شرطية لا يقبل المنع سواء على الخطور التفصيلى أو على اصل العلم ، فان بعد اثبات صدق الرسل يحصل العلم بجميع ما أخبروا به وإن لم يعلم شيئا آخر أصلا ، فالاولى أن يعترض على المجيب بأنّ الشرطية الّتي ذكرتها مسلّمة لكن الكلام في ثبوت مقدّمها ، يعنى انّ ثبوت صدق الرسل بالمعجزات كانّه لا يمكن بدون العلم بكون المرسل عالما ، إذ بناء اثبات ذلك على انّه ـ تعالى ـ عالم بها ويقبح عقلا من العالم القادر اظهار المعجزة على يد الكاذب فيكون صادقا ، فما لم يثبت علمه ـ تعالى ـ وكذا قدرته لا يثبت صدق الرسل. ودعوى انّه يجوز أن يحصل العلم بصدقهم بمحض ملاحظة المعجزة ـ كما نقل عن غياث الحكماء ـ لا يخلو عن اشكال ؛ انتهى.
وأنت خبير بانّه إذا لم يثبت صدق الرسل بدون العلم بكون المرسل عالما فيمكن أن يمنع حصول العلم بما أخبروا به على هذا التقدير ، فالشرطية ، (١) فثبت المنع. والظاهر انّه لذلك قال القائل المذكور : « فالاولى » دون « فالصواب » ومثله.
وقد ظهر ممّا ذكر انّ اثبات أصل العلم بالشرع غير صحيح. اللهم إلاّ أن يقال : انّ صدور الآثار الّتي هي خارجة عن طوق البشر من يد شخص انساني دليل على كمال قربه إلى المبدأ الّذي يجب اطاعته ، وهو فائق على جميع بني نوعه وكلّ من هو فائق على جميع بني نوعه بالفضائل والكمالات يجب طاعته عقلا في أقواله وأفعاله ، لأنّ مثله كاد أن يكون ربّا انسانيا ، فيجب الانقياد له والطاعة في أوامره ونواهيه وما جاء به. ومن
__________________
(١) هكذا العبارة في النسختين.