جملة ما جاء به : إنّ الله ـ تعالى ـ عالم ، فلا دور حينئذ ؛ فتأمّل. / ١٣١ DB /
ثمّ الظاهر انّ القوم انّما تمسّكوا بالأدلّة السمعية في اثبات عموم علمه ـ تعالى ـ وشموله لجميع الموجودات كلّية أو جزئيّة ، لا في اثبات أصله وحينئذ لا يرد ما أورد عليه ، لانّ اثبات النبوّة لا يتوقّف على اثبات عموم علمه ـ تعالى ـ بل على علمه بالمعجزة الخاصّة ، واثبات العلم بها لا يتوقّف على اثبات عموم العلم ، بل يجوز أن يحصل بمشاهدة المعجزة العلم بأنّ فاعلها ليس إلاّ الله ـ تعالى ـ. ويحصل أيضا بملاحظة إحكامها وإتقانها العلم بكون مبدأها عالما بها ، فيثبت بها النبوّة ، ثمّ يثبت بالنبوّة عموم العلم ؛ وحينئذ فلا دور.
فان قيل : اثبات النبوّة يتوقّف على اثبات العلم بأمور أخرى أيضا ـ مثل العلم بدعوى الشخص بصدقه أو كذبه ـ ، وانّ اظهار المعجزة على يد الكاذب قبيح واثبات العلم بهذه الأمور بدون التمسّك بعموم العلم مشكل ؛
قلنا : اثبات العلم بهذه الأمور أيضا لا يتوقّف على عموم العلم ، بل بتحقّق علمنا بكونه ـ تعالى ـ عالما بها إذا تعدّدت المعجزات أو تكرّرت واحدة ، لانّه إذا لم يكن الله ـ تعالى ـ عالما بهذه الأمور لم يوجد الله ـ تعالى ـ المعجزة على يد مدّعى النبوّة لداع ومصلحة ، بل يكون ايجاده ـ تعالى ـ ايّاها على يده باتفاق صدور هذه بالعجزة عنه ـ تعالى ـ في وقت دعواه لا بسبب حكمة داعية ومصلحة باعثة ، ومعلوم بالضرورة إنّ الاتفاق لا يجتمع مع تعدّد الصدور وتكثّره من شخص واحد في وقت ارادته دون غيره من الاشخاص الغير المتناهية من أهل عصره ودون غير وقت ارادته من الاوقات المتطاولة. فالتكرّر والتعدّد عند وقت إرادة مدّعى النبوّة دليل على علمه ـ سبحانه ـ على صدقه وحسن اظهار المعجزة على يده ، فثبت المطلوب ؛ هذا.
وقيل : يمكن أن يقال : انّ مراد من تمسّك في اثبات علمه ـ تعالى ـ بالأدلّة السمعية بالعلم انّما هو العلم المتقدّم على ايجاد الممكنات في الأعيان ـ لانّ بعضهم انكر ذلك ـ ، لا اثبات أصل العلم ، وحينئذ فلا دور. لانّ اثبات الشرع انّما يتوقّف على اثبات أصل العلم لا العلم المقدّم.