وأورد عليه : بأنّ اثبات الشرع يتوقّف على اثبات العلم المقدّم ، إذ لو لم يكن الله ـ سبحانه ـ عالما بصدور المعجزة على يد الكاذب قبل صدورها بل انما علمه بعد الصدور أو مع الصدور أيضا لما أمكن له ـ تعالى ـ منعه منه. وتوضيحه انّه ـ تعالى ـ إذا لم يعلم الأشياء قبل وقوعها فلا يكون علمه ـ تعالى ـ إلاّ كالرؤية فينا ، فكما انّه لا يمكن أن نرى فعلا قبل وقوعه وإنّما نراه إذا فعل فكذا علمه ـ تعالى ـ بعينه ؛ وإذا كان علمه ـ تعالى ـ بهذه المنزلة فكما انّه لا يمكن ان يصير رؤيتنا بفعل مانعا عن وقوعه فكذلك لا يمكن أن يصير علمه ـ تعالى ـ مانعا عن وقوع شيء. وحينئذ فاثبات الشرع يتوقّف على العلم المقدّم ولا يكفي العلم المتأخّر والمقارن لاثباته ؛ هذا.
واعترض على التوجيه المذكور أيضا : بأنّ اثبات الشرع يتوقّف / ١٣٥ MB / على التصديق بالقدرة ، لانّ القصد بارسال الرسل لا يمكن بدون القدرة والعلم مأخوذ في حقيقة القدرة ؛ فيلزم الدور.
ودفع هذا الاعتراض بأنّ المأخوذ في القدرة ليس إلاّ أصل العلم ، لا العلم المقدّم ؛ والموجّه التزم توقّف اثبات الشرع على أصل العلم ، وانّما قال لا يتوقف اثباته على العلم المقدّم ومراد القوم من التمسك بالشرع في اثبات علمه انّما هو العلم المقدّم ؛ فلا دور.
ويمكن أن يقال : انّ مراد المعترض انّ المأخوذ في القدرة هو العلم المقدّم ، لانّ قدرته يجب أن يصلح للمنع عن الفعل ولو لم يكن العلم المأخوذ فيها هو العلم المقدّم لم يصلح لذلك. فحاصل كلامه : انّ اثبات الشرع يتوقّف على التصديق وقدرته الّتي لا ينفكّ عن العلم المتقدّم ، فالدور لازم.
وعلى هذا فالفرق بين هذا الاعتراض والايراد السابق بتوسيط القدرة وبعدمه ، وفي الحقيقة مآلهما واحد ؛ لانه لا بدّ في الايراد السابق أن يقال لاثبات توقّف الشرع على العلم المقدّم انّه لو لم يكن عالما بصدور المعجزة على يد الكاذب قبل صدورها لما امكن منعه منها. وهذا هو معنى القدرة ، فالقدرة قد أخذت في الايراد السابق أيضا. وحينئذ لا يمكن أن يقال : لا حاجة إلى اقحام القدرة في البين لكفاية أن يقال : انّ اثبات الشرع يتوقّف على العلم المقدّم فيلزم الدور ، لانّ توسيط القدرة انّما هو لبيان التوقّف على العلم