المقدّم ، فيكون حاصل الاعتراض انّه ـ تعالى ـ يجب أن يقدّر على المنع وما ذلك إلاّ بالعلم المقدّم ؛ وهذا هو الايراد السابق بعينه من دون تفاوت أصلا.
وقد ظهر ممّا حررناه انّ اثبات عموم علمه ـ سبحانه ـ بالأدلّة السمعية صحيح ، وانّ اثبات علمه المتقدّم بها غير صحيح ؛ وكذا اثبات / ١٣٢ DA / أصل العلم بها. اللهم إلاّ أن يوجّه بما اشرنا إليه أخيرا من وجوب اطاعة صاحب المعجزات في كلّ ما جاء به عقلا.
تتميم
الظاهر انّ بعض الملاحدة من الفلاسفة ـ خذلهم الله ـ أنكروا أصل علمه ـ سبحانه ـ وقالوا : ليس المبدأ الأوّل عالما أصلا. وقد نقل صاحب المواقف : انّ بعض قدماء الفلاسفة ممّن لا يعبأ به ذهب إلى انّ الله ـ تعالى ـ لا يعلم شيئا ـ تعالى عمّا يقول الظالمون علوّا كبيرا ـ (١). وقال العلامة الطوسى في نقد المحصّل : « قدماء الفلاسفة قالوا : العلم حصول صورة المعلوم في العالم ومع ذلك فهو يقتضي اضافة ما للعالم إلى المعلوم. والعالم والمعلوم إن كانا متغايرين فلا بدّ من أن يتصوّر العالم بصورة المعلوم ولا يمكن أن يقبل المبدأ الأوّل شيئا من غيره ، وإن كانا واحدا فلا بدّ فيه من تغاير اعتباري حتّى يمكن أن يعقل الاضافة بينهما. ولا كثرة في المبدأ الأوّل بوجه من الوجوه ، فهو لا يوصف بالعلم بوجه ، بل هو مفيض العلم على الموجودات الّتي هى معلولاته كما يفيض الوجود عليها ؛ فهذا مذهبهم.
والباقون منهم ومن أهل الملل جميعا اتفقوا على انّه ـ تعالى ـ عالم » (٢) ؛ انتهى.
وهذا الكلام أيضا صريح في انّ قدماء الفلاسفة مذهبهم انّه ـ تعالى ـ لا يعلم شيئا ـ تعالى الله عما يقول الملحدون ـ. وحمله على انّ مذهبهم نفي العلم الزائد بعيد جدّا. ولا يستبعدنّ من ذهاب بعض من بعد من العقلاء الى نسبة الجهل إليه ـ سبحانه ـ ، فانّ خفاء الضرورة على بعض العقلاء جائز ، ولذلك ترى انّ لكثير من العقلاء مذاهب شنيعة فاسدة مخالفة للبديهة ؛ فهؤلاء أيضا منهم.
__________________
(١) راجع : شرح المواقف ، ج ٨ ص ٦٥.
(٢) راجع : نقد المحصّل ، ص ٢٧٩.