ضروري ، سيّما مع تكثّر ما في هذا النظام من الموجودات وتكرّر ما يوجد فيه من الأفعال والآثار.
ثمّ بداهة ذلك لا ينافي مخالفة / ١٠٧ DA / بعض العقلاء ونفيهم علم الواجب ، لانّ الضروري قد يخفى على بعض العقلاء. على انّه قيل : لم ينف أحد علم الواجب ؛ وسيأتى تحقيق ذلك.
والجواب عن الثاني : انّه لو سلّم انّ الآثار والأفعال الّتي تشاهد من الحيوانات انّما تصدر منها وهي موجدها فلم لا يجوز أن يكون فيها من العلم قدر ما تهتدى الى ذلك بأن يجعلها الله ـ تعالى ـ عالما بذلك أو يلهمها حين ذلك الفعل ، كما جعلها قادرة ومتمكّنة على ذلك الفعل؟
ومنها : ما ذكره الحكماء ، وهو : انّ واجب الوجود ـ تعالى شانه ـ مجرّد غاية التجرّد والمراد « بغاية التجرّد » الثابت للواجب على المشهور : كونه غير جسم وغير جسماني ـ أي : ليس مادّة ولا مقارنا لمادّة ـ أو موضوع مقارنة الصور والاعراض ؛ وبالجملة كونه قائما بذاته غير متعلّق الهوية والوجود بشيء يقوم به أصلا. وعند المحقّقين : كونه غير محتاج إلى الارتباط بالغير ، بل كونه محض الوجود الحقيقي المنزّه عن الماهية والأعراض. والبراهين القاطعة قائمة على ثبوت التجرّد بالمعنيين في حقّه ـ سبحانه ـ ، وكلّ مجرّد ـ بكلّ واحد من المعنيين ـ عاقل ؛ وبالعكس ـ أي : كلّ عاقل مجرّد باحدى المعنيين ـ. واثبات العكس هنا غير مقصود لنا ، بل المقصود والمهمّ لنا اثبات الأصل ـ أي : كون كلّ مجرّد عاقلا ـ ليثبت به كون الواجب ـ تعالى ـ عالما. وبيانه يتوقّف على تمهيد مقدّمات :
الاولى : انّ التعقّل عبارة عن ادراك المجرّد الموجود القائم بذاته شيئا لم يعرضه العوارض الجزئية الّتي تلحق بسبب المادّة في الوجود الخارجي من الكمّ والكيف والأين والوضع وغير ذلك من العوارض المادّية ، إمّا بعينه أو بصورته ؛ وبتقرير آخر : عبارة عن حضور المعلوم بعينه أو بصورته عند المجرّد الموجود القائم بذاته وانكشافه لديه ووجوده بين يديه. وهذا الحضور ـ أي : حضور الذات عند الذات ، أو حضور