الصور المعقولة الّتي يعلم بها الأشياء زائدة متكثّرة حتّى يلزم مفاسد مذهب العلم الحصولي. وهذا المذهب هو المشهور بالقول « باتحاد العاقل والمعقول ».
الرابع : مذهب جمهور المشائين ، وهو : انّ علمه ـ تعالى ـ حصولي ارتسامي. يعنى انّ صور الأشياء مرتسمة في ذاته ـ تعالى ـ.
وتوضيحه : انّ الصورة العقلية قد يؤخذ عن الصورة الموجودة كما يستفاد من السماء بالرصد والحسّ صورتها العقلية في الذهن ، وقد لا تكون الصورة المعقولة مأخوذة عن الموجود ، بل يكون الأمر بالعكس ، كصورة أثبت البنّاء أوّلا في ذهنه ثمّ تصير تلك الصورة المعقولة محرّكة لاعضائه إلى أن يوجدها في الخارج ، فليست تلك الصورة بحيث وجدت فعقلت ، بل عقلت فوجدت.
وإذ ثبت ذلك فنقول : لمّا كانت نسبة جميع الأشياء إلى الله ـ سبحانه ـ نسبة المصنوع إلى النفس الصانعة لو كانت تامّة الفاعلية فقياس تعقّل واجب الوجود للأشياء هو قياس تعقّلنا للأمور الّتي نستنبطها أوّلا ثمّ نوجدها ـ لاشتراك التعقلين في سببيتهما للايجاد في الخارج ـ. والفرق إنّنا لكوننا ناقصين في الفاعلية نحتاج في أفاعيلنا الاختيارية إلى انبعاث شوق واستخدام قوّة محرّكة واستعمال آلة تحريكية وانقياد مادّة لقبول تلك الصورة ، والأوّل ـ سبحانه ـ لكونه تامّ الفاعلية غنيا عمّا سواه لا يحتاج في فاعليته إلى أمر خارج ، بل ( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (١) ، فانّه يعقل ذاته وما يوجبه ذاته ويستلزمه ، ويعلم من ذاته كيفية الخيرية في الكلّ فتتبع صور الموجودات الخارجية الصور المعقولة عنده على نحو النظام المعقول عنده ، فالعالم الكياني الخارجي بإزاء العالم الربوبي العلمي.
وهذا المذهب ممّا اختارها انكسمالس المليطى ، وهو أحد الأساطين السبعة ، فانّه قال : الأوّل ما صدر عنه ـ تعالى ـ الصور العلمية للموجودات العينية ثمّ أوجد الموجودات العينية على نهج ما هي في العلم المقدّم. وعلى هذا المذهب يكون علمه ـ تعالى ـ بالصور والارتسام ـ أي : يكون علمه / ١٣٦ MB / تعالى بصورة زائدة على تلك
__________________
(١) كريمة ٨٢ ، يس.