الأشياء ومطابقة لها قائمة بذاته تعالى ـ.
الخامس : ما ذهب إليه تالس المليطى ـ وهو أيضا من أساطين الحكمة ـ ، وهو : انّ علمه ـ تعالى ـ بأوّل المعلولات بالحضور ـ أي : بحضور ذاته عنده وانكشافه لديه بالإضافة الاشراقية ـ وبغيره من الأشياء بصورها القائمة في هذا المعلول. فانّه قال : أوّل ما صدر عن واجب الوجود بالذات جوهر فيه جميع صور باقي الممكنات. ونقل صاحب « الملل والنحل » عنه انّه قال : انّ القول الّذي لا مردّ له هو انّه كان المبدع ولا شيء مبدع ، فابدع الّذي ابدع ولا صورة له عنده في الذات ، لانّ قبل الابداع انّما هو فقط وإذا كان هو فقط فليس يقال حينئذ جهة وجهة حتّى يكون هو صورة ، أو حيث وحيث حتّى يكون هو ذا صورة ، والوحدة الخالصة ينافي هذين الوجهين ، هو يؤيّس ما ليس بأيس وإذا كان مؤيّس الاسباب فالتأييس لا من شيء متقادم ، فمؤيّس الأشياء لا يحتاج ان تكون عنده صورة. ثمّ قال : وأيضا فلو كانت الصورة عنده فامّا أن تكون مطابقة للموجود الخارجى أم غير مطابقة ، فان كانت مطابقة فليتعدّد الصورة بتعدّد الموجودات ، وليكن كلّياتها مطابقة للكليات وجزئياتها مطابقة للجزئيات ويتغيّر بتغيّرها ـ كما يتكثّر بتكثّرها ـ ، وكلّ ذلك محال ـ لانّه ينافي الوحدة الخالصة ـ. / ١٣٣ DA / وإن لم يطابق للموجود الخارجي فليست إذا صورة ، إنّما هى شيء آخر ، لكنّه ابدع العنصر الّذي فيه صور الموجودات والمعلولات كلّها وانبعث من كلّ صورة موجود في العالم على المثال الّذي في العنصر الأوّل ، فمحلّ الصورة ومنبع الموجودات هو ذات العنصر وما من موجود في العالم العقلي والعالم الحسّي إلاّ وفي ذات العنصر صورة له. ومن كمال الأوّل الحقّ انّه أبدع مثل هذا العنصر فيما يتصوّره العامّة في ذاته ـ تعالى ـ انّ فيها ـ يعنى صور المعلومات ـ ، فهو في مبدعه ويتعالى بوحدانيته وهويته عن انّ يوصف بما يوصف بما يوصف مبدعه (١) ؛ انتهى.
وهو صريح في انّ علمه بأوّل المبدعات ليس بصورة زائدة ، وبغيره من الأشياء بالصور القائمة به. والحاصل : انّه على هذا المذهب يكون الجوهر الأوّل غير مسبوق
__________________
(١) راجع : الملل والنحل ، ج ٢ ص ٦٦.