بالعلم المغاير لذات الواجب بخلاف المذهب الرابع ، فانّ مبناه على أنّ جميع الموجودات العينية مسبوق بالعلم الزائد ، وهذا هو الفرق بين المذهبين.
ثمّ إنّ المحقّق الطوسي أيضا اختار هذا المذهب ـ أي : المذهب الخامس ـ ، فانّه صرّح بأنّ علمه ـ تعالى ـ بالحضور في المعلولات القريبة ، وأمّا في المعلولات البعيدة فبحصول صورها في القريبة. قال ـ رحمهالله ـ في شرحه للاشارات : « العاقل كما لا يفتقر في إدراكه لذاته إلى صورة غير ذاته الّتي هو بها هو ، كذلك لا يفتقر في ادراكه لما يصدر عن ذاته إلى صورة غير صورة ذلك الصادر الّتي بها هو هو. واعتبر من نفسك انّك تعقّل شيئا بصورة تتصوّرها أو تستحضرها ، فهي صادرة عنك لا بانفرادك مطلقا بل بمشاركة ما من غيرك » (١) ـ لأنّ الصور العقلية فائضة من المبادي العالية وليس للنفس بالنسبة إليها إلاّ القبول فقط ـ ، ومع ذلك فانت تعقّلها بذاتها لا بصورة أخرى ، لامتناع تضاعف الصور إلى غير النهاية فلا تتضاعف فيك الصور أصلا. نعم! ، ربما تتضاعف اعتباراتك المتعلّقة بذاتك أو بتلك الصورة فقط على سبيل التركيب ـ أي : ربما تتضاعف الاعتبارات المتعلّقة بكلّ منهما فقط إذا تركّب بعض هذه الاعتبارات مع بعض اخر ـ ، فانّ العالم بذاته وإن لم يكن المنكشف له إلاّ شيء واحد هو ذاته فقط من غير افتقار إلى شيء آخر إلاّ انّه لمّا كان لنفسه اعتباران : أحدهما : اعتبارها من حيث هي هي ، وهى بهذا الاعتبار معلومة ؛ وثانيهما : اعتبارها من حيث كونها حاضرة ، وهي بهذا الاعتبار علم ، فالعالم بنفسه يعلم نفسه ويعلم أيضا أنّها حاضرة عنده ـ أي : يعلم انّه يعلم ـ. وبالجملة حصل له اعتبار العلم بالنفس واعتبار العلم بالعلم بها وقد يتحصل اعتبار العلم بالعلم بالعلم بها وهكذا ، فاذا تركّبت تلك الاعتبارات تتضاعف إلى غير النهاية. إلاّ انّه لا تحصل بتلك الاعتبارات صور متكثرة في النفس ، لانّه لا يفتقر إلى غير النفس في جميع تلك الاعتبارات ، فانّه قد اعتبر النفس تارة من حيث هي هي وتارة من حيث حضورها وتارة من حيث حضور حضورها ومعلوم انّ النفس لا يتكثّر ولا / ١٣٧ MA / يتعدّد بتلك الاعتبارات ، بل هي ليست في الخارج إلاّ واحدة والانكشاف لم يتعلّق إلاّ بها ، و
__________________
(١) راجع : شرح الطوسي على الاشارات والتنبيهات ، ج ٣ ص ٣٠٤.