التعدّد انّما هو في الاعتبارات. وما يرشدك إلى ذلك انّ الاعتبار الأوّل في نفس الأمر لا ينفكّ من الاعتبار الثاني ومن الثالث وهكذا ، فالنفس من حيث هي مع معلوميتها لا ينفكّ من كونها حاضرة وحضورها لا ينفكّ عن كونه حاضرا وهكذا ، وإن لم يتعلّق العلم بحضورها وحضور حضورها. فكما إذا لم يتحقّق العلم بحضورها لا يفتقر إلى صورة أخرى فكذا إذا تحقّق العلم به ، فالتعدّد إنّما هو في مجرّد الاعتبار. وهكذا نقول في علم النفس بالصور ، فانّه قد يحصل للنفس العلم بالصورة وقد يحصل لها العلم بتمثل هذه الصورة في ذاتها ، وقد يحصل لها العلم بتمثل هذا التمثل وبالجملة يحصل العلم بالصورة والعلم بالعلم بها وهكذا ، فتتضاعف الاعتبارات ؛ إلاّ أنّه لا تحصل بتلك الاعتبارات صور متكثرة في النفس ، بل تارة اعتبر الصورة فقط من حيث هي وتارة الصورة مع تمثّلها وتارة مع تمثل تمثلها ، فاذا تركّبت هذه الاعتبارات ـ أي : قيدت الصورة بتمثلها وتمثل تمثلها وهكذا ـ تصير الاعتبارات متكثّرة. إلاّ أنّها لا توجب تعدد الصور وتكثّرها في النفس ، فانّ الصورة من حيث هي هي مع معلوميتها على فرض عدم العلم بمعلوميتها لا ينفكّ عن المعلومية والتمثل في نفس الأمر ، مع انّه لا تحصل للنفس صورة اخرى ، فكذا مع فرض العلم بالمعلومية والتمثّل.
لا يقال : انّ / ١٣٣ DB / التمثّل حقيقة من الحقائق فالعلم به يوجب ارتسام صورة ، فاذا اعتبر الصورة مع التمثّل يلزم تعدد الصورة ؛
وهو كما ترى!.
وبالجملة قد ثبت انّك إذا تعقّلت صورة فانّما تعقّلها بذاتها لا بصورة اخرى.
وحينئذ نقول : فاذا كان حالك مع ما يصدر عنك بمشاركة الغير هذا الحال فما ظنّك بحال العاقل مع ما يصدر عنه لذاته من غير مداخلة غيره فيه. وليس من شرط كلّ ما يعقل أن يكون المدرك محلاّ للصور المعقولة ، فلا تظنّ انّ كونك محلاّ للصورة العقلية شرط في تعقّلك ايّاها فانّك تعقّل ذاتك مع انّك لست محلاّ لها ، بل انّما محلّيتك لها شرط في حصول تلك الصورة لك وحصولها انّما هو شرط في تعقّلك ايّاها ؛
فان حصلت تلك الصورة لك بوجه آخر غير الحلول فيك حصل التعقّل لك من غير