حلول فيك. ومعلوم انّ حصول الشيء لفاعله في كونه حصولا للغير ليس دون حصول الشيء لقابله.
والحاصل : انّه لا ينبغى انّ يظنّ انّ مناط حضور نفس تلك الصورة العقلية وشرطه كون العاقل محلاّ لها وفي المعلولات القائمة بذاتها انّما يتصوّر مجرّد حضور أنفسها دون ارتسام صورها ، فلا يجوز كون وجوداتها العينية عين العلم أو مستلزمة له ، لانّ في الصورة العلمية أمرين :
أحدهما : كونها قائمة بالمحلّ الّذي هو ذات العاقل ؛
والثاني : كونها حاضرة عنده حاصلة له. ولا شك انّ قيامها بالمحلّ لا يكون شرطا في كون الشيء معقولا وإلاّ لزم أن لا يكون شيء عالما بذاته. وليس الأمر كذلك ، فتعين أن يكون مرجع المعلومية ومناطها هو حضور المعلوم وحصوله للعاقل. ومعلوم انّ حصول الشيء لفاعله في كونه حصولا لغيره ليس دون الحصول لقابله ، بل لكون نسبة الاوّل بالوجوب والثاني بالامكان يكون حصول المعلوم للعلّة اتمّ في باب المعلومية من حصول المقبول للقابل فيها. ففي الصورة المعقولة كما أنّ لها حصولا ووجودا رابطيا للنفس المجرّدة القابلة فكذا لها حصول ووجود رابطي لفاعلها المفيض والحصول الثاني ليس أدون من الاوّل ، فكما انّ الاوّل منشأ للعلم فكذا الثاني / ١٣٧ MB / بالطريق الاولى. وكذا الحال في الحصولات الّتي لغير الصور المعقولة من الموجودات الجوهرية والعرضية بالنسبة إلى فاعلها المفيض ومبدأها الموجد ، فانّها أشدّ من الحصول للصور المعقولة بالنسبة الى النفوس القابلة. فاذن المعلولات الذاتية للفاعل العاقل لذاته حاصلة له من غير أن يحلّ فيه ، فهو عاقل ايّاها من غير أن تكون هي حالّة فيه.
وإذ ثبت ذلك نقول : انّ الأوّل ـ تعالى ـ عاقل لذاته من غير مغايرة بين ذاته وبين عقله لذاته إلاّ بالاعتبار ، بل عقله لذاته هو نفس ذاته. ولا ريب في أنّ عقله لذاته علّة لعقله للمعلول الأوّل كما أنّ ذاته علّة لذات المعلول الأوّل ، فكما حكمت باتحاد العلّتين ـ أعني : ذاته تعالى وعقله لذاته ـ فاحكم باتحاد المعلولين ـ أعني : المعلول الأوّل وتعقل الواجب له ـ. فاذن وجود المعلول هو نفس تعقّل الواجب ايّاه من غير احتياج إلى صورة