مستأنفة تحلّ ذات الأوّل ـ تعالى عن ذلك ـ.
ثمّ قد عرفت انّ كلّ مجرّد تعقل ذاته وغيره من المجرّدات ، فالجواهر العقلية الصادرة عنه ـ تعالى ـ أوّلا عاقلة. ولمّا كانت تعقّل ما ليس بمعلول لها بحصول صورة فيها وهي تعقل الواجب أيضا ولا موجود إلاّ وهو معلول للواجب كانت صور جميع الموجودات الكلية والجزئية على ما عليه الوجود حاصلة فيها ، والواجب تعقل تلك الجواهر مع تلك الصور لا بصور غيرها ، بل باعيان تلك الجواهر والصور. وبهذا الطريق تعقل سلسلة الوجود على ما هو عليه فاذن لا يعزب عنه مثقال ذرّة في السموات ولا في الارض (١) من غير لزوم محال. فهذا اصل إن حقّقته وبسطته ظهرت لك كيفية احاطته ـ تعالى ـ بجميع الموجودات الكلّية والجزئية. و( ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ ) (٢) ؛ انتهى ما ذكره مع توضيح وتتميم.
ولا ريب في انطباقه على هذا المذهب ـ أعني : / ١٣٤ DA / المذهب الخامس ـ.
فان قلت : حاصل هذا المذهب انّ الواجب عالم بالجوهر الأوّل وبالصور الّتي مرتسمة فيه بالعلم الحضوري ، وبسائر الأشياء بتلك الصور لا باعيانها والكلام المنقول من المحقّق يدلّ على الجزء الأوّل ولا يدل على الجزء الثاني ، بل قوله : « وبهذا الطريق نعقل الوجود على ما هو عليه » يدلّ على كون (٣) علم الواجب بأعيان الأشياء الّتي صورها حاصلة فى الجواهر العقلية أيضا علما حضوريا ، وهذا ليس في المذهب الخامس ، لأنّ حاصله انّه ـ تعالى ـ لا يعلم سوى المعلول الأوّل إلاّ بالصورة الحاصلة فيه ، كما انّ حاصل المذهب الرابع انّه ـ تعالى ـ لا يعلم شيئا ممّا سوى ذاته من الموجودات العينية الاّ بالصورة الحاصلة في ذاته ـ تعالى ـ ؛
قلت : كلامه في شرح الاشارات وان لم يدلّ على الجزء الثاني لكنّه صرّح في شرح رسالة العلم بأنّ ادراكه لمعلولاته البعيدة والمعدومات الّتي من شأنها امكان أن يوجد في وقت أو يتعلّق بموجود يكون بارتسام صورها المعقولة في المعلولات القريبة الّتي هي
__________________
(١) إشارة إلى كريمة ٣ ، سبأ.
(٢) كريمة ٥٤ ، المائدة.
(٣) الاصل : + الواجب.