مدركاتها أوّلا وبالذات إلى أن ينتهي إلى ادراك المحسوسات بارتسامها في الآلة الّتي يدركها. ثمّ قوله : « وبهذا الطريق يعقل الوجود على ما هو عليه » ليس نصّا في كون علمه باعيان الأشياء الّتي صورها حاصلة في الجواهر العقلية حضوريا ، لاحتمال أن يكون المراد بهذا الطريق تعقّل الوجود بنفس تلك الصور القائمة بالجواهر العقلية لكونها مطابقة له على ما عليه الوجود. ويؤيّد هذا الاحتمال قوله : « على ما عليه » ، لأنّه لو كان المراد انّ علمه بأعيان الأشياء الّتي صورها حاصلة في الجواهر العقلية حضوريا لكان هذا القول لغوا. ثمّ كلامه الدالّ على اختياره هذا المذهب في شرح رسالة العلم هو قوله : « كما أنّ الكاتب مثلا يطلق على من يتمكّن من الكتابة ـ سواء كان مباشر الكتابة أو لم يكن ـ وعلى من يباشرها باعتبارين ـ فانّ اطلاق الكاتب على الأوّل باعتبار حصول التمكّن وعلى الثاني باعتبار حصول التمكّن منه ـ ، كذلك العالم يطلق على من يتمكّن بأن يعلم ـ سواء كان في حال استحضار المعلوم أو لم يكن ـ وعلى من يكون مستحضرا له حال الاستحضار باعتبارين ، فانّ اطلاق العالم على الاوّل باعتبار حصول التمكّن من العلم وعلى الثاني باعتبار حصول نفس العلم. فوقوع اسم العالم على الأمر الأوّل ـ أعني : من يتمكّن من أن يعلم ـ بالاعتبار الأوّل ـ أي : التمكّن من العلم ـ وعلى الثاني ـ أي : على من يكون مستحضرا ـ بالاعتبار الثاني ـ أي : حصول نفس العلم ـ. والعالم الّذي يكون علمه ذاتيا يكون علمه / ١٣٨ MA / بالغير بالاعتبار الأوّل ، إذ لا يصحّ العلم بالغير في حدّ ذاته إلاّ بمعنى التمكّن ، بخلاف علمه بذاته فانّه يصحّ بالاعتبار الثاني. وهو ـ أي : العالم الّذي علمه ذاتي ـ بذلك الاعتبار ـ أعني : اعتبار الأوّل ـ لا يحتاج في كونه عالما إلى شيء غير ذاته ؛ والعلم بهذا الاعتبار شيء واحد ذاتا. وأمّا بالاعتبار الثاني فهو محتاج إلى اعتبار صورة المعلوم ، والعلم بذلك الاعتبار متكثّر بتكثّر المعلومات ، إذ لا يصحّ استحضار الغير دون صورته الذهنية أو الخارجية. ولا يكون هذا العلم ذاتيا للعالم ـ أي : ثابتا في ذات العالم بدون اعتبار الغير وحصوله ـ ، وادراك الأوّل ـ تعالى ـ بالاعتبار الثاني إمّا لذاته ـ فيكون بعين ذاته لا غير ويتحد هناك المدرك والمدرك والادراك ، ولا يتعدد إلاّ بالاعتبار ـ ؛ وإمّا لمعلولاته القريبة منه ـ فيكون باعتبار ذوات تلك