فانّه ـ تعالى ـ إذا تعقّل ذاته وذاته علّة للعقل الأوّل مثلا فيعقل العقل الأوّل ـ أي : يعقله على انّه صادر عنه ـ ، وإذا عقل العقل الأوّل وهو علّة للعقل الثاني فيعقل العقل الثاني أيضا ... وهكذا إلى ان ينتهى إلى اخر مراتب الوجود.
والحاصل : انّه لمّا كانت مفاسد العلم الحصولي المشهورة بينهم أربعة اشار الشيخ في هذه العبارة إلى دفع ثلاثة منها :
الأوّلى : لزوم كون ذاته ـ تعالى ـ محلاّ للكثرة ، فاشار إلى دفعه بقوله : « بان له إليها اضافات على الترتيب بعضها قبل بعض ». أي : حصول هذه الصور في ذاته انّما هو على الترتيب لا دفعة ، وكما انّ صدور الكثرة منه في الخارج يمتنع دفعة ويجوز على الترتيب السببي والمسببي فكذا محلّيته للصور الكثيرة يمتنع دفعة ويجوز على الترتيب السببي والمسببي.
الثانية : لزوم كون الواحد من حيث انّه واحد فاعلا وقابلا ، وهو يستلزم التركيب ، إذ جهة القوّة غير جهة الفعل ، فيجتمع فيه جهتان وهو معنى التركيب ؛ فاشار الشيخ إلى دفعه بقوله : « على أنّ المعقولات والصور الّتي بعد ذاته انّما هي معقولة على النحو المعقول الفعلي لا النفسانى » ؛ وبقوله : « يكون عنه لا فيه ».
وحاصله : انّ محلّية ذات الواحد الحقّ للوازمه ـ أعني : تلك الصور ـ من باب مطلق الموصوفية لا من باب القابلية والمحلّية الّتي من باب مطلق الموصوفية دون القابلية لا يستلزم التركيب ، إذ استلزام جهة القوّة للتركيب لايجابها كون الفاعل فاقدا لشيء وكون هذا الشيء ممكن الحصول له مع أنّ هذا الفاعل له جهة الفعلية والوجود أيضا ، فيلزم التركيب. وأمّا مطلق الموصوفية فلا يعتبر فيه الفقدان ، فانّ الشيء إذا كان محلاّ لمعلوله كان موصوفا به البتة ولا يكون فاقدا له في حدّ ذاته ، لانّ المعلول من حيث انّه فائض من علّته وإن لم يكن موجودا في مرتبته ولكن لا يمكن أن / ١٣٩ MA / يقال : انّ العلّة في هذه المرتبة فاقدة لمعلولاتها ، لانّ ما يفيض عن شيء كيف يكون المفيض فاقدا له؟! ، وكيف يكون المفقود عن الشيء فائضا وصادرا عنه؟!. كيف ولو لم يجز أن يتصف علّة الشيء به لزم أن لا يتصف به مهيته البسيطة بلوازمها ـ لكون لوازمها معلولة لها ـ مع أنّ