من الصور المعقولة انّه موجود بغيره ؛ « فالغير » يكون أعمّ من المادّة ، و « الموضوع » اعمّ من الجسم والنفس.
والمانع من المعقولية هي المادّة وعلائقها ، / ١٠٧ DB / لكن المادّة وعلائقها ليست مانعة من كون الشيء معقولا مطلقا ، بل من كون الشيء معقولا بحلوله في العاقل لا بأن يكون الشيء معقولا بحضور عينه عنده ، فانّ المعقولية قد تكون بحضور عين الشيء عند العاقل وقد تكون بحضور صورته عنده بأن تكون صورته حالّة فيه ؛ وحينئذ يجب أن تكون تلك الصورة مجرّدة عن المادّة وعلائقها. وأمّا إذا كان عين الشيء حاصلا عند العاقل ـ كحصول المعلول للعلّة ـ فلا يجب هناك التجرّد عن المادّة وعلائقها ـ كما يأتي ـ فلا يصحّ القول بكون المادّة مانعة من التعقل على اطلاقه ، ولا حصر للمانع من التعقّل مطلقا في المادّة وعلائقها.
ولا بدّ هنا من بيان اقسام العلم بل اقسام مطلق الإدراك وبيان أحكام كلّ منها لشدّة الاحتياج إليها.
فنقول : الإدراك هاهنا على ثلاثة أقسام :
الاوّل : الإدراك بالحواس الظاهرة ـ أعني : السمع والبصر واللمس والذوق والشمّ ـ أو بالحواسّ الباطنة ـ كالمتخيلة والواهمة ـ. ويسمّى المدرك بهما محسوسا كما يسمّى المدرك بالقوّة العاقلة ـ أعني : النفس بقوّتها النظرية ـ معقولا. ثمّ المدرك بالحواسّ ـ ظاهرة كانت أو باطنة ـ هو الشيء الّذي يقارنه أمور غريبة عن مهيته ، إمّا مقارنة مؤثّرة فيه كمقارنة الانسانية في الخارج للموضع والمقدار وغير ذلك ، فانّه لو فرض ارتفاع تلك الأمور ـ أعني : الوضع والمقدار عن الانسانية الخارجية ـ لانعدمت تلك الانسانية أيضا ؛ أو مقارنة غير مؤثّرة كمقارنة السواد للحركة ـ حيث لا يرتفع أحدهما بارتفاع الاخر ـ. وبالجملة فالمدرك بالقوى الظاهرة والباطنة لا ينفكّ عن مقارنة المادّة وعلائقها ، لانّ كلّ حقيقة تلحقها أمر غريب عن ذاتها ـ من الوضع والأين وغير ذلك ـ فانّما يلحقها لا لذاتها ، بل لحيثية استعدادية تلحقها ، إذ لو لحقها لذاتها لما تخلف عنها أصلا وكان جميع افراد الماهية متساوية في الاتصاف به ، وجميع