بالعلم الحضوري بالنسبة الى جميع الأشياء؟! ، والذهاب إلى القول بتحقّق الصور العلمية القائمة بذاتها مع مخالفته للبراهين العقلية؟!.
وأيضا على القول بالمثل يلزم احتياجه ـ تعالى ـ في عالميته بالاشياء وفي الفاعليّة لها إلى غيره ـ أعني : تلك المثل ـ ، وهو من أشنع المحال!.
وامّا المذهب الثالث ـ أعني : القول باتحاد العاقل والمعقول المنسوب الى فرفوريوس ـ ، فوجه بطلانه : انّه يمتنع أن يصير شيء شيئا آخر ، لانّه إن بقى الأوّل مع حضور الثاني فهما اثنان ، فلم تتحقّق الاتحاد ؛ وإن زال الأوّل وحصل الثاني أو بقى الأوّل ولم يحصل الثّاني ، فما صار أحدهما الاخر ، فلم يحصل الاتحاد أيضا.
وقد أطنب الشيخ الكلام في كتبه في بيان استحالة هذا المذهب وشنع على القائل به ؛ وقال في الاشارات : « وكان لهم ـ أي : للمشّائين ـ رجل يدعى « بفرفوريوس » ، عمل في العقل والمعقولات كتابا يثنى عليه المشّاءون ، وهو حشف كلّه ، وهم يعلمون انّهم لا يفهمونه ولا فرفوريوس / ١٣٧ DA / نفسه ؛ وقد ناقضه من أهل زمانه / ١٤٠ MB / رجل ناقص هو ذلك الناقص بما هو اسقط من الأوّل! » (١).
فان قيل : الظاهر انّ الشيخ قد رجع عن هذا التشنيع في كتاب المبدأ والمعاد واختار القول بالاتحاد ، لأنّه اقام الحجّة فيه على ثبوته ؛
قلت : الظاهر ـ كما أفاده بعض المحقّقين ـ انّ غرضه في ذلك الكتاب تقرير المعارضة على طريق اتباع المشائين ، دون ما هو الحقّ عنده وانعقد عليه رأيه ـ كما لا يخفى على الناظر فيه ـ. وما قيل : انّه خلاف عادة الشيخ ، لأنّه قلّما يميل عمّا هو الحقّ عنده إلى ما هو الباطل لديه ؛
ففيه : انّ ذلك على تقدير تقرير مذهبه واعتقاده ، لا على فرض تقرير مذهب غيره ، فانّ أحدا من العقلاء لا ينسب الباطل عنده إلى نفسه.
وممّا قيل في بطلان هذا المذهب : انّه لو كان حقّا لزم تبدّل جوهر النفس حين انتقالها من معقول إلى معقول آخر. وليس كذلك ، فانّ الجوهر الشاعر بذاته منّا هو هو في كلّ حين
__________________
(١) راجع : شرح الطوسي على الاشارات والتنبيهات ، ج ٣ ص ٢٩٥.