قبل ادراك شيء ومعه وبعده. وما يقال : من أنّ الماء صار هواء والابيض صار أسودا معناه : انّ مادّة الماء انسلخت عنها الصورة المائية وتصوّرت بالصورة الهوائية ، والحامل لوصف الابيضية زال عنه البياض وحصل فيه السواد والقابل في الحالين شيء واحد ؛ انتهى.
وأمّا المذهب الرابع ـ أعني : كون علمه تعالى بجميع الأشياء حصوليا ارتساميا بقيام صورها في ذاته تعالى ـ ، فيدلّ على بطلانه وجوه :
منها : انّه يلزم أن يكون الواجب ـ تعالى ـ فاعلا وقابلا معا ، لانّ تلك الصورة موجدها ومفيضها هو الواجب ـ ، سبحانه ـ مع انّه ـ تعالى ـ محلّ لها.
ومنها : انّه يلزم أن يكون الواجب ـ تعالى ـ موصوفا بصفات زائدة غير اضافية ولا سلبية.
ومنها : انّه يلزم أن يكون الأوّل ـ تعالى ـ محلاّ لمعلولاته المتكثّرة وهو مستلزم للتركيب في ذاته ـ تعالى ـ ؛ أو عدم كونه ـ تعالى ـ عالما في مرتبة ذاته. بيان ذلك : انّه لو كان علمه بالاشياء حصوليا لكانت بإزاء كلّ معلوم صورة ، فلا يخلو إمّا أن يكون تلك الصورة داخلة في قوام ذاته ـ تعالى ـ حتّى يكون من مقوّمات ذاته ، فيلزم التركيب ؛ وان لم يكن داخلا في قوام ذاته ـ بل كانت عارضة لها والعارض متأخّر عن ذات المعروض ـ فلا تكون تلك الصورة الّتي هي مناط الانكشاف موجودة في مرتبة ذاته ـ تعالى ـ ، فلا يكون الواجب في مرتبة ذاته عالما بالاشياء.
ومنها : انّه يلزم أن لا يكون المعلول الأوّل ـ أعني : صور الأشياء المرتسمة في ذاته تعالى ـ مباينا عن ذاته ، بل يكون قائما به ـ تعالى ـ.
ومنها : انّه يلزم أن لا يتمكّن الواجب من العلم بالاشياء ومن ايجادها إلاّ بواسطة الصور الحالّة فيه ، وتلك الصور لكونها معلولة تكون ممكنة ، فيلزم أن يكون الواجب مستكملا بالممكن محتاجا إليه. والى هذه الوجوه الخمسة اشار العلاّمة الطوسى في شرح الاشارات بقوله : « لا شكّ في أنّ القول بتقرّر اللوازم في ذاته ـ تعالى ـ قول بكون الشيء الواحد فاعلا وقابلا معا ؛ وقول بكون الأوّل موصوفا بصفات غير اضافية ولا سلبية ؛ و