قول بكونه محلاّ لمعلولاته الممكنة المتكثّرة ـ تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ـ ؛ وقول بأنّ المعلول الأوّل غير مباين لذاته ـ تعالى ـ ؛ وبأنّه لا يوجد شيئا من الأشياء بذاته بل بتوسّط الأمور الحالّة فيه ... إلى غير ذلك ممّا يخالف الظواهر من مذاهب الحكماء والقدماء القائلين بنفي العلم عنه ـ تعالى ـ ، وافلاطون ـ القائل بقيام الصور المعقولة بذواتها ـ والمشّاءون القائلون باتحاد العاقل والمعقول ـ والمعتزلة ـ القائلون بثبوت المعدومات ـ انّما ارتكبوا تلك المحالات حذرا من التزام هذه المعاني » (١) ؛ انتهى.
ثمّ الحقّ انّ الوجه الأوّل مندفع عن العلم الحصولي بما تقدّم. وحاصل الدفع : انّ بطلان كون الواحد فاعلا وقابلا إذا أريد بالقبول مطلق الاتصاف ممنوع لانتقاضه بلوازم المهيات البسيطة ، فانّها فاعلة للوازمها مع كونها موصوفة بها. فبطلانه انّما هو إذا كان فاعلا وقابلا بمعنى كونه منفعلا أو متأثّرا من الغير. وكونه ـ تعالى ـ محلاّ للصور المعقولة لا يوجب انفعاله وتأثيره ، بل غاية ما يلزم هو كونه ـ تعالى ـ موصوفا بها ، فلا فرق بين وجودها فيه ووجودها عنه ، فلوازمه الّتي هي معقولاته انّما هي عنه وفيه بلا تفاوت.
وأمّا الوجه الثاني فقد دفعه بعضهم أيضا بما تقدّم في كلام الشيخ ؛ وحاصله : انّ الممتنع اتصاف ذاته ـ تعالى ـ بصفات زائدة حقيقية كمالية ، للزوم كونه ـ تعالى ـ فاقدا / ١٣٧ DB / للكمال في مرتبة ذاته ولا يمتنع عليه اتصافه ـ تعالى ـ بصفات اضافية غير كمالية زائدة. ولا ريب في أنّ الصور العقلية القائمة بذاته ـ تعالى ـ ليست صفات حقيقية كمالية ، فانّ ذاته وإن كانت محلاّ لتلك الصور العلمية لكن لا يكون هي كمالات له ـ تعالى ـ ، فانّ كماله ـ سبحانه ـ ليس تعقّله للأشياء ، بل بان يفيض عنه الأشياء معقولة. فكماله انّما هو بذاته لا بلوازمه الاضافية ـ أعني : الصور العلمية المضافة إلى المعلومات ـ. وإلى هذا المعنى أشار صاحب التحصيل بقوله : « واللوازم الّتي هي معقولاته ـ تعالى ـ وإن كانت أعراضا موجودة فيه فليس ممّا يتصف بها أو ينفعل عنها ، فانّ كونه واجب الوجود بذاته هو بعينه كونه مبدأ للوازمه ـ أي : معقولاته ـ ، بل ما يصدر عنه انّما يصدر عنه بعد
__________________
(١) راجع : شرح الطوسي على الاشارات والتنبيهات ، ج ٣ ص ٣٠٤.