« بل كماله تعالى كون ذاته بحيث يصدر عنه هذه اللوازم » ـ ، لكن صدور الأشياء لا يتصوّر بدون تصوّر تلك الصور ، كما انّ بعض الأشياء واسطة لصدور بعض آخر من الواجب ـ تعالى ـ ، كصدور الأعراض فانّها لا تصدر عن الله ـ تعالى ـ إلاّ بعد صدور موضوعاتها عنه.
قلت : صدور نظام الكلّ على أتمّ انحاء الوجود واشرفها لا يمكن الاّ بعد فعلية ذاته بجميع صفاته الذاتية الّتي منها صفة العلم بكلّ الأشياء قبل ايجادها ، فتلك الصور الّتي هي صفة علمه ـ تعالى ـ لو لم تكن كمالا له ـ تعالى ـ وكانت زائدة على ذاته لكانت من جملة النظام ، فلا يمكن صدورها عنه على أتمّ الوجه إلاّ بتوسّط صفة العلم الّذي هو بعينه تلك الصور ، فتلك الصور لا يمكن أن تكون اشياء ذهنية زائدة على ذاته تكون وسائط لايجاد الأشياء العينية ، فالواجب الحقّ يعلم ذاته وجميع الأشياء بالعلم الّذي هو نفس ذاته. فظهر انّ الوجه الثاني وارد على العلم الحصولي.
وأمّا الوجه الثالث ـ أعني : لزوم مفسدة الكثرة في ذاته تعالى ـ : فقد أجاب عنه الشيخ ـ كما مرّ الاشارة إليه ـ في الشفا والتعليقات : بأنّ هذه الكثرة إنّما هى بعد الذات على الترتيب السببي والمسببي ، فلا تنثلم به / ١٣٨ DA / وحدته الحقّة. وذلك كما أنّ صدور الموجودات المتكثّرة عنه لا يقدح في بساطته المحضة ووحدته الصرفة لكونها صادرة عنه ـ تعالى ـ على الترتيب العلّي والمعلولي ، فكذلك معقولاته المنفصلة الكثيرة إنّما تترتّب عنه على وجه لا يقدح في وحدته الحقّة. فكما انّ صدور الموجودات عنه دفعة ينافى الوحدة وعلى الترتيب السببى والمسببى لا ينافيها فكذا محليّته للصور المعقولة دفعة ينافي الوحدة وعلى الترتيب السببي والمسببي لا ينافيها ، فتلك الكثرة ترتقى إليه وتجتمع في واحد محض ، فانّها مع كثرتها اجتمعت واشتملت عليها احدية الذات ، إذ الترتيب يجتمع الكثرة في واحد ـ كما اشار إليه المعلم الثاني بقوله : « واجب الوجود مبدأ الكلّ فياض الوجود وهو ظاهر على ذاته بذاته ، فله الكلّ من حيث لا كثرة فيه ، فهو ينال الكلّ من ذاته. فعلمه بالكلّ بعد ذاته وبعلمه بذاته ، ويتحد الكلّ بالنسبة إليه ، فهو الكلّ في وحدته » ـ.