استكماله بحصولها. ثمّ قال : « لا يقال : تلك الصور وإن كانت مرتسمة في ذاته ـ تعالى ـ لكنّها ليست كمالا له ـ تعالى ـ ؛ لأنّا نقول : هي من حيث كونها في ذاتها لما كانت ممكنة الوجود لا يكون حصولها بالفعل ، بل بالقوة ، ولا ريب في أنّ كون ذاته بالقوّة نقص لذاته وانتفاء القوة انّما يكون لوجود تلك الصور ، فيكون وجودها كمالا له أو مزيل النقص مكمّل ، فالصور السابقة تكون مكمّلة وذاته مستكملة والمكمّل أشرف من المستكمل ؛ مع انّ ذاته ـ تعالى ـ أشرف من كلّ شيء. وأجيب عنه بالنقض والحلّ ؛ أمّا النقض : فهو أن ينتقض بصدور الموجودات الخارجية عنه ـ تعالى ـ ، لاجراء الدليل المذكور فيه ؛ إذ المعلول الأوّل الصادر عنه ـ تعالى ـ علّة استكماله بصدور المعلول الثانى عنه ـ تعالى ـ وهكذا ؛ وأمّا الحلّ : فهو انّ فعلية تلك الصور والأشياء الخارجية إنّما هو من جهة المبدأ ووجوبها يترتّب على وجوبه ، وليس هناك فقد ولا قوّة أصلا ، وليس لتلك الصورة والاشياء امكان من الجهة المنسوبة إلى مبدئها الأعلى ، والانفعال أنّما يلزم لو انتقل ذاته من معقول إلى معقول ـ كما في العلوم النفسانية ـ ، أو يفيض معقولاته على ذاته من غيره ـ كما في علوم المبادي ـ ؛ وأمّا إذا كانت المعقولات لازمة لذاته ـ كما في لوازم المهيات البسيطة ـ فلا يلزم من الانفعال شيء » ؛ انتهى. وأنت خبير بأنّ هذا الجواب غير صحيح ، لانّ العلم عدمه نقص في حقّه ـ تعالى ـ مطلقا ، فلا يجوز تخلّف الصور العلمية عن مرتبة الذات ، ولو لم يكن ذلك التخلّف بالنظر إلى الذات ولم يكن لها فقد ولا قوّة بالنظر إلى الجهة المنسوبة إليه ، بل كان ذلك لتوقّف بعض تلك الصور على بعض آخر. فانّ العلم الفعلي بجميع الأشياء كمال مطلق له ـ تعالى ـ ، ويجب أن يكون مجرّد الذات من حيث هي منشأ له في مرتبة الذات ، فلو فرض عدم نقض العلوم في مرتبة الذات ـ لتوقّفه على نقض آخر ـ يلزم النقض وحصول الكمال له بواسطة شيء آخر ، فيلزم استكماله لصدور بعض معلولاته. وأمّا الايجاد الفعلي لجميع الأشياء فليس كمالا مطلقا له ـ تعالى ـ ؛ بل الكمال في الايجاد أن يوجد كلّ شيء في وقت يناسبه على الترتيب السببي والمسببي. فتوقّف ايجاده لبعض الأشياء على ايجاد بعض آخر لا يوجب نقصا في حقّه ـ تعالى ـ حتّى إذا ثبت ذلك لزم استكماله بصدور بعض معلولاته ؛ فتأمّل.