ومنها : ما أورده بعض المحقّقين من العرفاء ، وهو يتوقّف على تمهيد مقدّمات :
الأولى : انّ العلم التامّ بشيء من أفراد الموجودات الخارجية من حيث هو فرد بعينه ـ أي لشيء من انحاء الوجود حتّى يكون المعلوم الماهية مع الوجود لا مجرّد الماهية ، وبالجملة يكون الوجود الخاصّ معلوما ـ لا يحصل إلاّ بحضور ذلك النحو من الوجود وانكشاف هذا الفرد الخاصّ من الوجود عند العالم دون حصول صورته ومثاله. والدليل على ذلك :
أمّا أوّلا : انّ الوجود لا مثال له ، / ١٤٢ MB / بل مثاله نفسه بخلاف الماهية ، فانّ لها مثالا مطابقا لها في الحقيقة.
وأمّا ثانيا : انّ افراد الوجودات الخارجية من حيث هي تلك الافراد بعينها لا يمكن حصولها في الذهن حصولا مطابقا لها ، وإلاّ لزم أن يكون الموجود الخارجي من حيث هو موجود خارجي موجودا ذهنيا ، فيلزم قلب الحقيقة ، إذ الموجود الخارجي من حيث هو موجود خارجي حقيقته وذاته أن يكون في الخارج ، فلو حصل في الذهن لزم قلب الحقيقة.
وأمّا ثالثا : انّ العلم الارتسامي إنّما يكون بحصول صورة من ماهية الشيء في الذهن ، فلا بدّ من وحدة الماهية وانحفاظها في الخارج والذهن وتعدّد وجودها ، وهذا إنّما يتصوّر إذا كانت تلك الماهية غير الوجود وكانت الصورة الحاصلة في الذهن للماهية / ١٣٩ DB / دون الوجود ، إذ لو كانت الصورة للوجود لكان الوجود في الطرفين متحدا فلا يتصوّر حينئذ تعدّد ، إذ تعدّد الماهية مع وحدة الوجود في الخارج والذهن غير معقول.
والثانية : انّ التأثير والتأثّر والعلّية والمعلولية عند المحصّلين من المشائين إنّما هو في انحاء الوجودات بمعنى انّ العلّة من حيث هي وجودها يؤثّر في المعلول من حيث وجوده ، لا أنّ ماهية العلّة من حيث هي هي مع عدم اعتبار وجودها يكون علّة لماهية المعلول وتؤثّر فيها كذلك. نعم! ، تأثيرها في اللوازم الاعتبارية للماهيات كذلك ـ أي : في ماهيتها من حيث هي هي من دون اعتبار وجودها ـ ، وجواز ذلك لعدم تحقّق الوجود