فالحقّ الصريح انّ جميع الأشياء المبدعة والكائنة المعقولة والمحسوسة ـ سواء كانت ذوات العقلاء أو علومهم وسواء كانت قوى خيالية أو حسية أو ادراكاتها ـ معلومة له بالعلم الحضوري الجزئى ومنكشفة عنده بالشهود العيني ، لاستلزام صدورها عنه لذلك ، فلا يعزب عنه شيء من الأشياء لا باعتبار الشهود العيني ولا باعتبار الثبوت الذهنى. فقوله ـ سبحانه ـ : لا يغرب عنه مثقال ذرّة في السموات ولا في الارض اشارة إلى الاعتبار الأوّل ؛ وقوله : ولا اصغر من ذلك ولا اكبر الاّ في كتاب مبين اشارة إلى الاعتبار الثاني.
فان قيل : يلزم على ما ذكرت من علمه ـ تعالى ـ بالجزئيات على الوجه الجزئي أن يكون للواجب علم لا يتغيّر ـ وهو علمه بالاشياء المتقدّمة على الزمان والدهر ـ ؛ وعلم متغير ـ وهو علمه بالأمور الكائنة الفاسدة ، لأنّ الجزئيات الكائنة الفاسدة متغيرة ، فاذا علمها على الوجه الجزئي يجب أن يعلمها في كلّ وقت على ما هي عليه من التغيّر ـ ، والتغيّر في علمه ـ تعالى ـ مطلقا باطل ؛
قلنا : هذه الأشياء وإن كانت في ذواتها وبقياس بعضها إلى بعض متغيّرة لكنّها بالنسبة إلى الواجب في درجة واحدة في الحضور. وبعضهم التزم لزوم التغيّر في حضور الاشياء الكائنة الفاسدة وشهودها عند الواجب ، إلاّ انّه قال : انّ هذا التغيّر لا يوجب تغيرا في الذات ولا في العلم الكمالي الذاتي ، بل التغيّر إنّما هو في النسب والأوصاف الاعتبارية. / ١٤٠ DB / ومثل ذلك مثل من اطّلع على ما في كتاب دفعة ثمّ التفت إلى صفحة بعد صفحة ، فانّ العلم بما في الكتاب لا يتغيّر بحدوث تلك الالتفات.
وسيجيء لذلك زيادة بيان في موضعه.
ومنها : انّه لو كان علمه بالاشياء بالصور فتلك الصور إمّا أن تكون مكمّلة لذاته ـ تعالى ـ بحيث يكون ذاته ـ تعالى ـ بدونها ناقصة ويتوقّف ما هو كماله ـ المطلق أعني : علمه بالاشياء ـ عليها ؛ أو لا يكون كذلك ، بل يكون تلك الصور بعد تمامية ذاته المقدّسة عارضة لها وخارجة عنها على وجه اللزوم بأن يكون من مقتضيات ذاته التامّة من جميع الوجوه الكاملة في كلّ صفة وكمال. فعلى الأوّل يلزم احتياجه في علمه ـ الّذي هو الكمال المطلق ـ إلى الغير ـ أعني : تلك الصور السابقة على الأشياء ، الّتي تسمّى بالعناية