يتوجّه الاعتراض على الّذي نقلناه على الايراد المذكور ؛ ويندفع الجواب المذكور عنه.
وحينئذ فالجواب عن الاحتجاج المذكور : انّ غاية ما يدلّ عليه هذا الاحتجاج اقتضاء الانكشاف نحوا من الوجود للأشياء المنكشفة ، وهو لا ينحصر بالوجود الصوري ، فانّ القائلين بالعلم الحضوري يثبتون لها نحوا من الوجود قبل وجودها العيني ؛ وستعلم هذا النحو من الوجود على ما اخترناه ؛ هذا.
وقد استدلّ أيضا على انّ عالميته ـ تعالى ـ بالأشياء بارتسام صورها في ذاته : بأنّ الواجب لو تعقّل الأشياء من الأشياء ولم يكن متعقّلا لها قبل وجودها لكان وجوداتها متقدّمة على عاقليته ـ تعالى ـ لها ، ويكون في ذاته وقوامه أن يقبل معقولات الأشياء ـ أي : صورها العقلية ـ منها بعد أن كان فيه عدمها باعتبار ذاته ، فيكون ذاته بذاته عادما لمعقولات من شأنها حصولها له. ففيه اذن جهة امكانية ويكون لغيره مدخلية في تتميم ذاته ، فلا يكون الأوّل ـ تعالى ـ واجب الوجود من كلّ جهة. وقد تقرّر انّ واجب الوجود بالذات واجب الوجود من جميع الجهات. وحينئذ فيجب أن يكون له من ذاته الأمر الأكمل لا من غيره ، فيكون علمه بالممكنات حاصلا له ـ تعالى ـ قبل وجودها.
والجواب : انّه لا ريب في وجوب تقدّم علمه ـ تعالى ـ على وجودات الأشياء إلاّ أنّ ذلك لا يوجب كون هذا العلم المتقدّم هو العلم الصوري ، فانّ القائلين بالعلم الحضوري أيضا يقولون بتقدّمه على وجود الأشياء ، وأمّا كيفية ذلك فيظهر بعد ذلك ؛ هذا.
وأعترض ابو البركات البغدادي على الاستدلال المذكور بأنّ قولهم : لو كان علمه مستفادا من الأشياء لكان لغيره مدخلية في تتميم ذاته ، منقوض بكونه ـ تعالى ـ فاعلا للأشياء ، فانّ فاعليته لها انّما يتمّ بصدور الفعل عنه ، فيجب أن يكون لفعله مدخل في تتميم ذاته ، وذلك باطل ؛ فيلزم نفي كونه ـ تعالى ـ فاعلا للأشياء ، فكما انّ هذا الكلام باطل فكذا ما قالوه ؛
وأجاب عنه بعض الأعاظم : بأنّ الفاعلية وكذا العلم والقدرة ونحوها قد يطلق ويراد بها نفس المعنى الاضافي ـ إذ لا شكّ في أنّها بهذا الاعتبار متأخّرة عن وجود ما اضيف / ١٤٥ MA / هي إليه ، لانّها مستفادة منه ـ ، وقد يطلق ويراد مبادي تلك