الفعّالة والقوى العالية باطل عنده وكذلك الجواهر العقلية يعرف كلّ واحد منها ذاتها بذاتها ويدرك جميع الموجودات الباقية الّتي دونها بالإضافة الاشراقية من غير احتياج إلى أن تكون فيه صورة.
وأمّا المذهب السادس ـ أعني : القول بعلمين الاجمالى والتفصيلى ـ ، فاعلم انّ بعض المتأخّرين لمّا ذهبوا إلى انّ علمه ـ تعالى ـ بما سواه من الأشياء أنما هو بحضور ذواتها لا بحصول صورها ـ لما فيه من المفاسد ، كما علمت ـ وظاهر انّ حضور الأشياء انّما يمكن حين وجودها لا قبلها ولا بدّ من القول بعلمه ـ تعالى ـ قبل الايجاد أيضا حتّى يتحقّق الاختيار ولقيام الادلة الشرعية أيضا عليه ، فاضطرّوا إلى اثبات علم اجمالي هو عين ذاته مقدّم على جميع الايجادات ، وقالوا : انّ الكمال انّما هو هذا العلم ؛ وأمّا التفصيلى فليس بكمال ، فلا ضير في احتياج الواجب فيه إلى غير ذاته المقدّسة.
والحقّ انّ القول بالعلم الاجمالي مع كونه من العلم الحضوري لا يختصّ بالقائلين بالحضوري ، فانّ القائلين بالعلم الحصولي ـ ومنهم الفارابى والشيخ وبهمنيار ـ اضطرّوا أيضا إلى العلم الاجمالي في اثبات علمه الكمالي ، فانّ كماله ـ تعالى ـ لا يمكن أن يكون بارتسام صور الموجودات فيه ، وإلاّ لزم احتياجه فيما هو كمال له إلى غيره ـ تعالى عن ذلك ـ. بل قالوا : كماله ومجده ـ تعالى ـ إنّما هو بالعلم الّذي هو عين ذاته ، وهو كونه بحيث يفيض عنه صور الأشياء معقولة مفصّلة ـ كما يأتى من كلام الفارابي وبهمنيار ـ.
ثم ما ذكروه في بيان العلم الاجمالى يحتمل وجهين :
الأوّل : أن يقال إنّ ذاته ـ تعالى ـ بمنزلة المجمل لجميع المعلومات لكون الجميع لازمة لذاته مندمجة فيه ، فاذا علم ذاته ـ تعالى ـ علم جميع الأشياء اجمالا ؛ كما انّ المعقول البسيط عندنا بمنزلة المجمل لجميع المعقولات المفصّلة ، فاذا علمناه علمناها اجمالا ؛
الثاني : أن يقال : انّ علمه ـ تعالى ـ اجمالا عبارة عن كونه في ذاته بحيث يصير منشأ لانكشاف جميع الموجودات ـ أي : كونه بحيث يصير منشأ لوجودها ـ ، فانّ الوجود هو الانكشاف. فكونه عالما عبارة عن تمكّنه من العلم والانكشاف لا عن الاستحضار بالفعل. والحاصل : انّ علمه الاجمالى بالأشياء قبل ايجادها على هذا الوجه عبارة عن