الممكنات وعلما ومعلوما ، والتغاير بين هذه المعانى انّما هو بالاعتبار ». وإلى هذا اشار الفارابى حيث قال : « واجب الوجود مبدأ كلّ فيض وجود وهو ظاهر ، فله الكلّ من حيث لا كثرة فيه ، فهو من حيث هو ظاهر ينال الكلّ من ذاته ، فعلمه بالكلّ بعد علمه بذاته وعلمه بذاته نفس ذاته ، فكثرة علمه بالكلّ كثرة بعد ذاته ويتحد الكلّ بالنسبة الى ذاته ، فهو الكلّ في وحدته » (١) ؛ انتهى.
وغير خفي انّ قول الخفري : « وهو كونه باعتبار ذاته ـ ... الى آخره ـ » ظاهر الانطباق على الوجه الثاني. وقوله : « علما ومعلوما » ، قيل : انّما يستقيم بالنسبة الى الممكنات بناء على الوجه الأوّل دون الثاني ، ووجهه ظاهر. نعم ، بالنسبة إلى ذاته يستقيم مطلقا.
وأنت خبير بانّه على الوجه الأوّل لا ريب في كون ذاته ـ تعالى ـ عالما ومعلوما ، لانّ حضور ذات العلّة حينئذ بعينه حضور ذات المعلولات على سبيل الاجمال ، فانّ ذات الواجب ـ تعالى ـ بهذا الاعتبار عين المعلومات على سبيل الاجمال ، فكان عالما ومعلوما ، فلا يغاير العالم المعلوم ، فكان ذات الواجب مجمل ما يصدر عنه مفصّلا حتّى أنّ الوهم ربما يذهب إلى أنّ هذه الحقائق المتعدّدة اتّحدت بحسب حضور ذواتها في ذات الواجب. وهذا معنى قول المعلم الثاني : « فهو الكلّ في وحدته ».
وأمّا كونه علما فيصحّح بأحد التوجيهين في عينية صفاته ـ أعني : كون ذاته ـ بذاته من غير قيام صفة العلم به منشأ لانكشاف جميع معلولاته ـ أي : نائبا مناب هذه الصفة أو كونه فردا من العلم ـ ؛ وقد عرفت انّ الحقّ في ذلك ما ذا.
وأمّا على / ١٤٤ DA / الوجه الثاني فلا ريب في أنّ المعلومات حينئذ خارجة عن ذاته ، فيكون عند العلم بها عالما لا معلوما. وأمّا كونه علما فكما تقدّم في الوجه الأوّل.
وإذا علمت ذلك فيظهر حال ما أورد على العلم الاجمالي بانّه عند القائل به عين ذاته ـ تعالى ـ وعلى التحقيق العلم عين المعلوم بالذات ومغاير له بالاعتبار فكيف يكون علمه ـ تعالى ـ بالممكنات عين ذاته ـ تعالى ـ مع تخالف الحقيقة الواجبية والممكنة
__________________
(١) راجع : فصوص الحكم ، الفص ١٢ ؛ نصوص الحكم ، ص ٥٣.