أي : منكشف عند ذاته بمعنى انّه عالم بذاته. وقوله : « فله الكلّ من حيث أنّه لا كثرة فيه » أي : بالحضور العلمي كما انّ منه الكلّ بالوجود العينى. والغرض انّه عالم بالكلّ ، وذلك لأنّه لمّا كان مبدأ لكلّ وجود وعالما بذاته والعلم بالعلّة يستلزم العلم بالمعلول فيكون عالما بالكلّ. لكن بحيث لا كثرة فيه ، لانّ علمه بالكلّ على سبيل الاجمال ، كما عرفت من انّ علمه بالكلّ منطو في علمه بذاته ؛ إمّا لانّ ذاته بمنزلة المجمل لجميع المعلومات ، فعلمه بذاته يوجب العلم بالجميع ، بل هو عينه ؛ وإمّا لانّه منشأ لجميع الموجودات ، فهو متمكّن عن العلم والانكشاف. وحينئذ فقوله : « فله الكلّ » أي : التمكّن من العلم بالكلّ. فهذه العبارة يمكن حملها على كلّ من الوجهين وان كانت أكثر انطباقا على الوجه الأوّل. و: « قوله فهو من حيث هو ظاهر ينال الكلّ من ذاته » أي : هو من حيث هو عالم بذاته يعلم الكلّ من ذاته ؛ أي : يكون علمه بذاته هو بعينه علمه بالكلّ بناء على الوجه الأوّل أو يتمكّن من ذاته العلم بالكلّ لكون ذاته مبدأ لظهور الكلّ. وهذه العبارة أيضا يمكن حملها على كلّ من الاحتمالين وان كان حملها على الأوّل أظهر ، للزوم حمل العلم على مبدئيته له بناء على الاحتمال الثاني ، وهو خلاف الظاهر. وكلام المعلم الثاني الى هنا ينطبق على العلم الاجمالي بأحد الوجهين. وامّا قوله : « فعلمه بالكلّ بعد ذاته » ـ وفي بعض نسخ الفصوص : « بعد علمه بذاته » ـ وقوله : « وكثرة علمه بالكلّ كثرة بعد ذاته » ، فلا مدخلية لهما بالعلم الاجمالي ، بل هما ظاهران فيما هو المشهور / ١٤٤ DB / من مذهب الفارابى والشيخ من كون علمه ـ تعالى ـ بالكلّ بحصول الأشياء في ذاته ، إذ العلم الاجمالى بالأشياء ليس بعد العلم بالذات لاتحادهما ، وكذا ليس في العلم الاجمالى بالأشياء كثرة فضلا عن الكثرة الحاصلة بعد الذات ، بل البعدية عن الذات والكثرة انّما يتحقّقان في العلم الصوري. وايراد الفارابى العبارتين في العلم الصوري مبني على انّه لمّا اشار في العبارة الاولى إلى بعديته فربما يتوهّم انّ ما هو بعد الذات ـ أعني : العلم الصوري ـ علم وحداني بسيط ، فاشار في الثانية إلى انّ ما هو بعد الذات كثرة.
فما قيل ـ كما يأتي ـ : انّ المراد من العلم في الاولى العلم الاجمالى ـ بالتوجيه الّذي يذكر ـ دون العلم التفصيلى الصوري ، والمراد منه في الثانية التفصيلى إذ لو حملت الاولى أيضا