من دون لزوم كثرة فيه يكون علمه الصوري ناشئا عن ذاته لا مستفادا عن غيره ، وحينئذ أيّ داع إلى نسبة العلم الاجمالي إليه مع استلزامه لبعض المفاسد؟! ؛
قلت : الباعث لحمل تلك العبارات على العلم الاجمالي إنّه إذا ثبت منها انّه مجمل الاشياء وانّه ينال الكلّ من ذاته وانّه كلّ الأشياء فيفهم منها علمه ـ تعالى ـ بهذا الكلّ نظرا إلى كونه ـ تعالى ـ عالما بذاته ، ولا يمكن أن يكون هذا العلم عنده تفصيليا حضوريا ـ لتصريحه بالعلم الصوري التفصيلى ـ ، فلا بدّ أن يحمل على الاجمالي مع انّه صرّح في موضع آخر من الفصوص بما يدلّ على اثباته علمين للواجب حيث قال : « علمه الأوّل لا ينقسم ، وعلمه الثاني عن ذاته إذا تكثّر لم تكن الكثرة / ١٤٧ MB / في ذاته ، بل بعد ذاته » (١) ؛ انتهى.
ووجه الدلالة ظاهر ؛ هذا.
وقال بعض أهل التحقيق : انّ هذه العبارة ظاهرة الانطباق على ما ذهب إليه المعلم الأوّل في اثولوجيا من انّ البسيط ما لا تركيب فيه بوجه أصلا ونعنى بالواجب ـ تعالى ـ كلّ الوجود. وبيانه ـ على ما ذكره بعض العرفاء المحقّقين ـ هو : انّ كلّ ما هو بسيط الحقيقة فهو بوحدته كلّ الأشياء ، ولا يخرج عنه شيء منها إلاّ ما هو من باب النقائص والاعدام والامكانيات ، فانّك إذا قلت « ج » ليس « ب » فحيثية كونه « ج » ان كانت بعينها حيثية انّه ليس « ب » حتّى يكون « ج » نفسه مصداقا لهذا السلب بنفس ذاته فكانت أمرا عدميا ، ولكان من عقل « ج » عقل ليس « ب » ، لكن التالى باطل ، فالمقدّم كذلك. فيثبت انّ موضوع الجيميّة مركّب الذات ولو بحسب الذهن من معنى وجودي به يكون « ج » ومن معنى عدمى به يكون ليس « ب » ، أي : ممّا هو سبب لهذا الامر العدمي من قوّة أو استعداد. فعلم انّ كلّ ما سلب عنه أمر وجودي فهو غير بسيط الحقيقة مطلقا ، وتعلم بعكس نقيضه انّ كلّ بسيط الحقيقة مطلقا فغير مسلوب عنه أمر وجودي ، فيثبت انّ البسيط كلّ الموجودات من حيث الوجود والتمام لا من حيث النقائص والاعدام ولهذا ثبت علمه بالموجودات علما بسيطا وحضورها عنده على وجه أعلى واتمّ.
__________________
(١) راجع : فصوص الحكم ، الفص ١٥ ؛ نصوص الحكم ، ص ٦٨.