السواد الأشدّ كلّ السوادات ، يكون المراد : انّ كلّ مرتبة دون الاشدّ يوجد في الأشدّ مع الزيادة ، لا أن يكون الأشدّ عين باقي المراتب.
وثانيهما : أن يكون المراد انّ وجود الواجب هو عين وجودات الممكنات إذا خلصت عن أعدامها.
وأنت خبير بأنّ مبنى الوجه الأوّل على كون الوجود مقولا بالتشكيك ، وكون وجود الواجب فردا أقوى وأشدّ منه ؛ ومبنى الثاني على وحدة الوجود بل الموجود ؛ والقول بكلّ منهما يشتمل على مفاسد ، وقد بينّا ذلك بما لا مزيد عليه في رسالتنا المسمّاة « بقرّة العيون ».
فالحقّ انّ مراد المعلّمين من انّ الواجب كلّ الوجود مع وحدته البسيطة الصرفة : أنّ جميع الوجودات لوازم ذاته ورشحات وجوده وهو علّة تامة لها ، وهى ناشئة صادرة عنها ، وهو كلّ الأشياء في الشهود العلمي بمعنى انّ حضور ذاته عند ذاته هو حضور الأشياء ، بل هو في انكشاف الأشياء أقوى من حضورها بانفسها. فمن قال : انّ الاشياء عين الواجب أراد بالعينية العينية باعتبار الشهود العلمي وباعتبار ملزوميته وعليته لها وانطوائها فيه اجمالا وهذا المعنى هو مرادهم من قولهم : انّه مجمل الأشياء او كلّها ، لا أن تكون تلك الوجودات عين وجود الواجب بعد تخليصها عن عدماتها الامكانية أو يكون وجود الواجب مشتملا عليها مع الزيادة ، لانّه إن تحقّق / ١٤٨ MA / حينئذ بين وجود الواجب وسائر الوجودات ما به الاشتراك وما به الامتياز لزم التركيب ؛ وإن لم يكن بينهما ما به الامتياز أصلا لزم وحدة الوجود ؛ وإن لم يكن بينهما ما به الاشتراك بل كانا متخالفين بانفسهما لم يكن لاشتمال وجود الواجب على سائر الوجودات معنى.
وبالجملة قد ظهر من كلام الفارابي انّه قائل بالعلم الاجمالي الكمالي المقدّم على الايجاد على الاحتمال الاوّل على ـ الظاهر ـ ، وبالعلم التفصيلى الصوري.
وإذا عرفت ذلك فاعلم! انّ مذهب بهمنيار أيضا ذلك. امّا قوله بالعلم الاجمالى فقد عرفت من كلامه المنقول ؛ وأمّا قوله بالعلم الصوري فانّه قال : « فاذا كان واجب الوجود يعقل ذاته فيعقل أيضا لوازم ذاته ، وإلاّ ليس يعقل ذاته بالتمام وبالكنه أو