كلام الشيخ في جميع كتبه وكلام الفارابى ـ بل غيرهما من أساطين الحكمة ـ على العلم الحضوري ؛ وهو كما ترى.
قال بعض المشاهير بعد نقل هذا الكلام من بهمنيار : فان قيل : قد قال بعد هذا الكلام : « وليس يجدها ـ أي : الواجب ـ بحيث يحصل له تلك المعلومات ، وليس هو عالم لانّ له تلك الصور ـ أي : لا يعمله كاملا أو واجب الوجود بسبب حيثية حصول المعلومات فيه ـ وليس عالما لانّ فيه تلك الصور ، وان كانت تلك الصور له بل هو عالم بمعنى انّه يصدر عنه تلك الصور ـ أي : العالمية لأجل كونها منه ، لا لأجل كونها فيه ـ وصور تلك المعلومات مع كثرته عنده على وجه بسيط. وبيان ذلك : انّ حقيقته حقيقة يصدر عنه مفصّل المعقولات كما انّ المعقول البسيط عندنا علّة للمعلومات المفصّلة ـ ... إلى آخر ما نقلناه عنه سابقا في بيان العلم الاجمالى ـ » ، وهذا الكلام يدلّ على انّ العلم المقدّم عين ذاته ؛
قلت : لمّا كان ظاهر الكلام السابق يدلّ على انّه اختار مذهب انكسيمالس الملطي ـ وهو انّ جميع الايجادات العينية مسبوق بالعلم الزائد بالذات ـ وجب حمل الكلام الأخير ـ وهو قوله : « وصور تلك المعلومات مع كثرته على الوجه البسيط » ـ على العلم المتقدّم على العلوم التفصيلية المقدّمة على جميع الايجادات العينية. وهذا العلم المتقدّم هو عين ذاته ـ تعالى ـ وهو العلم الاجمالي بالمعلوم المفصلة ؛ انتهى.
وحاصل كلامه : انّه لا تناقض بين كلمات بهمنيار في تصريحه تارة بالعلم الحصولي وتارة بالعلم الاجمالي ، لانّه لا منافاة بينهما ، فانّ مذهبه انّ للواجب علمين : علم كمالي اجمالي وعلم صوري تفصيلى ـ كما تقدم في كلام الفارابي أيضا ـ. فانّ كلاّ من القائلين بالعلم الصوري والقائلين بالعلم الحضوري فرقتان : فرقة قالوا بالعلم الاجمالي ؛ وفرقة لم يقولوا بهذا ، والعلم الاجمالى لا ينافي كلاّ من المذهبين ولا يتحقّق فرق في العلم الاجمالي على المذهبين. نعم! ، يتحقّق فرق حينئذ في العلم التفصيلي بانّه صوري مقدّم على الايجاد عند القائلين بالعلم الحصولي ، وانكشافي اشراقي مقارن لوجودات الأشياء عند جماعة من القائلين بالعلم الحضوري ، وعند المحقّقين منهم ـ كالشيخ الإلهي وغيره ـ ليست تلك