الانسان في هذه الحالة ليس عالما بالفعل ، فلا تكون الصور حاصلة له بالفعل ولكن له قدرة الاستحضار ، فيكون عالما بالقوّة.
والثالث : أن يحصل له علم اجمالي لجواب مسائل كثيرة أوردت عليه دفعة ، ثمّ يأخذ بعده في التفصيل شيئا فشيئا حتى يملأ الأوراق والأسماع ، فهو في هذه الحالة ـ أي : حالة علمه اجمالا لجواب الكلّ ـ يعلم من نفسه يقينا انّه يحيط بالجواب جملة ولم يفصل بقوّة ذهنه بترتيب الجواب ، ثمّ يخوض في الجواب مستمدّا من الأمر البسيط الكلّي الّذي كان يدركه من نفسه ، فهذا العلم الواحد البسيط خلاف / ١٤٩ MB / تلك التفاصيل وهو أشرف منها عندهم. وقالوا : علم الواجب بالأشياء وانطواء الكلّ في علمه من هذا القسم الثالث. ولمّا أوردوا عليهم بأنّ العلم بالشيء على هذا الوجه أيضا مثل الوجه الثاني بالقوّة وليس علما بالفعل وان كان قوّة قريبة من الفعل ؛
أجابوا : بأنّ لصاحبه يقينا بأنّ هذا حاصل عنده بالفعل إذا شاء علمه ، فلفظ هذا منه اشارة إلى شيء ما به حاصل بالفعل. ولا ريب في انّ النقض بحال الشيء ـ أعني : حصوله بالفعل ـ لا ينفكّ عن المعلومية من جهة ما تيقّنه ، فالاشارة يتناول المعلوم بالفعل فيكون كلّ واحد من الأشياء المفصّلة الداخلة تحت الاجمالي معلوما له بهذا النحو ـ أي : بانّه حاصل له مخزون عنده ـ ، فهو بهذا النحو البسيط معلوم له قد يريد أن يجعله معلوما بنحو آخر. وهذا العلم البسيط هيئة تحصل للنفس لا بذاتها ـ بل من عند مخرج لها من القوّة إلى الفعل ـ. ثمّ بحسب تلك الهيئة يلزم النفس التصور التفصيلي والعلم الفكري ، فالأوّل أعني : الهيئة البسيطة ، فحصولها من القوّة العقلية للنفس المشاكلة للعقول الفعالة ؛ وأمّا الثاني ـ أعني : التفصيلى ـ فهو للنفس من حيث هى نفس ؛ هذا هو جوابهم عن الايراد المذكور.
وفيه : انّ غاية ما يستفاد من هذا الجواب انّ العالم بجميع المسائل الموردة عليه اجمالا عالم في تلك الحالة بالفعل بأنّ له قدرة على اظهار شيء دافع لذلك السؤال ، وأمّا حقيقة ذلك الشيء فهو غير عالم به ، فلهذا الشيء ـ أعني : الجواب ـ الّذي يقدر المجيب العالم به اجمالا أنّ ما يأتي به حقيقة ماهية وله لازم وهو كونه دافعا لذلك السؤال ، فالحقيقة مجهولة واللازم معلوم ، فهى حالة بين الفعل المحض الّذي هو العلم بالمعلومات مفصّلة متميزة بعضها