له ـ فكيف يسلّم كون الذات الإلهية بالنسبة إلى معلوماته كالحدّ بالقياس الى المحدود؟!. وإذا كانت تلك المعلومات المفصّلة معلومة بالعرض على النحو المذكور فلا يكون معلومة حقيقة ولا يكون الواجب في الحقيقة بالنسبة إلى خصوصياتها جاهلا ـ تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ـ.
هذا هو الايراد الآخر الّذي ذكروه ، وهو ممّا يمكن أن يورد على ما اخترناه أيضا. والحقّ انّه ممكن الدفع فنجيب عنه ـ إن شاء الله ـ في موضعه.
قال بعض الأفاضل بعد تقرير العلم الاجمالي على الاحتمال الثاني : فان قلت : قد تقرّر في محلّه انّ التفاوت بين الاجمال والتفصيل ليس الاّ في نحوي الادراك لا في ذات المدرك ، فلو كان علمه ـ تعالى ـ في ذاته علما اجماليا بجميع الموجودات لزم كون ذاته ـ تعالى ـ لكونها عين علمه بذاته عين تلك الموجودات أو صورة علمية مطابقة لتلك الموجودات ، وذلك باطل بالضرورة ؛
قلت : لمّا كان ذاته مبدأ لفيضان جميع الموجودات وكان علمه بذاته ـ تعالى ـ مبدأ لعلمه بجميع الموجودات كان علمه بذاته علما اجماليا بتلك الموجودات مجازا لتلك العلاقة ، كما يقال للملكة المذكورة علم اجمالي بالعلوم / ١٥٠ MA / المفصّلة الحاصلة منها ، وهذا قول بعض المحقّقين : « انّ عالميته ـ تعالى ـ عبارة عن كونه خلاّق العلوم برمّتها » ؛ انتهى.
وأنت تعلم انّ جواب هذا الفاضل عن الايراد المذكور راجع إلى ما يقال : انّ كون علم الواجب بذاته علما اجماليا بجميع الموجودات قول مجازي لعلاقة كونه مبدأ لها وتمكّنه من العلم بها بأن يوجدها منكشفة عنده. ويلزم على قوله ان لا يكون عالما بها بالفعل قبل ايجادها ، فيلزم جهله ـ سبحانه ـ في مرتبة ذاته ـ تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ـ. ثم قال الفاضل المذكور : والحاصل انّ العلم الجمالي صورة علمية واحدة يشتمل اجمالا على الصور العلمية المفصّلة الحاصلة منها وعلمه ـ تعالى ـ هذا باعتبار كونه علما بذاته وكون ذاته علّة لجميع الموجودات تشتمل على العلم بجميع الموجودات بحيث كانّه أمر واحد يشتمل على أمور متكثّرة ؛ وهذا معنى كلام المعلّم الثاني : « فهو الكلّ في وحدة ».