وهذا سر لارباب التوحيد لا تحتمله العبارة ولا تفي به الاشارة. ويمكن ان يشار إلى ذلك بانّ وجود المعلول كانّه الشبح لوجود العلّة وفيض منه وكأنّ الوجود قد زاد عليه وفاض على غيره ، فوجود جميع الموجودات على كثرتها كانّها مجتمعة بعنوان الوحدة في وجود ما هو علّة لها حقيقة ، فهو عين جميع الموجودات الفائضة عنه المترشحة منه ، فالعلم به علم بجميع الموجودات على سبيل الاجمال. فوجود العلّة هو صورة جميع الموجودات الفائضة منه لكن مبراة عن شوائب الكثرة فهو الكلّ في وحدته ؛ انتهى. / ١٤٨ DB /
وأنت خبير بأنّ هذا الكلام بيان للعلم الاجمالي بالوجه الأوّل مع انّه اعتقد في جميع كلماته انّ العلم الاجمالي للواجب هو الاجمالي بالوجه الثاني.
ثمّ ما ذكره من كون علم الواجب بذاته موجبا للعلم بجميع الموجودات ـ لكون جميع الموجودات لازمة له مرشّحة منه فائضة عنه ، فكأنّها مجتمعة فيه بعنوان الوحدة ـ فهو ممنوع ، إلاّ أنّا نقول : انّها عالم بها تفصيلا لا اجمالا ـ كما ذكره ـ للزوم جهله ـ سبحانه ـ في مرتبة ذاته بمرتبة اتمّ من العلم ـ أعني : التفصيلى الّذي هو التميّز التامّ والادراك بالخصوصيات ـ. قال بعض الفضلاء : إذا كان العلم الاجمالي عين ذات الواجب ولم يكن العلم التفصيلي عين ذاته لزم أن لا يكون الواجب ـ جلّ اسمه ـ بحيث يحصل له العلم التفصيلي في مرتبة الذات ، فيلزم أن لا يعلم الأشياء مفصّلة في مرتبة الذات بل يعلمها مجملة في هذه المرتبة ؛ وأيضا يلزم أن يحصل له علم بعد ما لم يكن في مرتبة الذات ، فيلزم ان يكون فاقدا لبعض الكمالات في مرتبة الذات ـ لانّ العلم كمال مطلق للموجود بما هو موجود ـ. وما يتوهّم من انّه يجوز أن لا يكون العلم التفصيلى كمالا يندفع بما ذكرنا : من أنّ العلم كمال مطلق للموجود بما هو موجود ، والجهل نقص مطلق. وأيضا ايجاد الاشياء مفصّلة لا يكون إلاّ بعلم سابق على تلك الأشياء ، ويجب أن يكون ذلك العلم السابق علما مفصّلا وإلاّ يلزم ايجاد الشيء بعينه بدون العلم بذلك الشيء بعينه ، وهو باطل بالبديهة من الفاعل المختار ، على ما قال ـ جلّ ذكره ـ : ( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ). وذلك العلم السابق لا يمكن أن يكون زائدا على ذاته وإلاّ لزم التسلسل ، وهو محال ،