أن لا ينفكّ عن العلم بالاشياء في شيء من المراتب في نفس الأمر ، فكما انّه ـ تعالى ـ يعلم الأشياء في مرتبة ايجادها العيني بعين تلك الأشياء كذلك يجب أن يعلم الأشياء في جميع المراتب السابقة على ايجادها ـ وهي مراتب وجودات عللها ـ. فاوّلها مرتبة وجوده ـ تعالى ـ ، إذ هو علّة العلل ومبدأ المبادي على الاطلاق ، فهو في مرتبة وجوده المتقدّمة على جميع المراتب بالذات يعلم الأشياء بالعلم الاجمالي الّذي هو عين ذاته ؛ وثانيهما : مرتبة وجودات العقول المجرّدة النورية الّتي هي وسائط فيضه ووسائط جوده ـ تعالى ـ ، فلها تقدّم بالوجود على الاشياء الّتي تحتها في نفس الأمر فيجب أن يعلم الأشياء في تلك المرتبة لا وجوداتها العينية ، إذ ليست هي في تلك المرتبة ـ لامتناع وجود المعلول في مرتبة وجود العلّة ـ. ويمتنع انفكاكه ـ تعالى ـ عن العلم بالاشياء في تلك المرتبة ، فعلمه ـ تعالى ـ بالاشياء في تلك المرتبة عين وجودات تلك العلل. فوجودات تلك العلل علوم تفصيلية له ـ تعالى ـ بذواتها وعلم اجمالي / ١٥١ MA / بسائر الأشياء الّتي هي معلولات لها ، كما انّ وجوده ـ تعالى ـ علم تفصيلي له بذاته وعلم اجمالي بمعلولاته ؛
وثالثها : مرتبة وجودات النفوس المجرّدة الفلكية ـ إذ لها تقدّم بالذات على المهيات الجسمانية ـ ، فيجب أن يعلم ـ تعالى ـ تلك المهيات في تلك المرتبة لا بوجوداتها العينية لعدمها في تلك المرتبة ، بل بماهياتها المرتسمة بافاضة الأوّل ـ تعالى ـ بواسطة علم العقل في الواح تلك النفوس. فما يكون في العقل يصير تفصيليا في النفوس وهناك يمتاز / ١٤٩ DB / المهيات بعضها عن بعض ؛ ولهذا المعنى عبّروا عن هذه المرتبة باللوح وبالمرتبة السابقة بالقلم. فالصور الكلّية الحالّة في النفوس المجرّدة الفلكية علوم تفصيلية له ـ تعالى ـ بتلك المهيات وعلم اجمالي بافرادها الموجودة في الخارج. فهذه هي مراتب علمه الاجمالي.
وما سوى المرتبة الاولى من هذه المراتب الثلث مع المرتبتين الباقيتين ـ أعني ـ مرتبة قوى الجسمانية ومرتبة موجودات الخارجية ـ هي مراتب علمه التفصيلى ، فمراتب علمه الاجمالى ثلث ومراتب علمه التفصيلي أربع ، والمجموع خمس ، واحدة اجمالية فقط واثنتان تفصيلية فقط واثنتان اجمالية باعتبار وتفصيلية باعتبار آخر ؛ انتهى.
ويرد عليه : أمّا أوّلا : فبانّه لا حاجة في علمه ـ تعالى ـ إلى هذه المراتب والاّ لزم