ثمّ لا يخفى انّه على ما ذهب إليه أهل الحقّ من كون الواجب ـ تعالى ـ عالما بجميع الاشياء قبل ايجادها وبعده بالعلم الحضوري الاشراقي التفصيلي من غير تفاوت في علمه السابق على الأشياء والمقارن معه ، بل كون علمه بجميع الأشياء في جميع الأوقات على نحو واحد يمكن أن يقال : هذا الجواب بعينه عن الاشكال المذكور ، لأنّ ما يمكن ان يكون مناطا للعلم الاجمالى يمكن أن يكون بعينه مناطا للتفصيلي أيضا ـ أعني : كون الأشياء لوازم ذاته وانطواء جميعها في ذاته المقدّسة ـ ، فانّ مجرّد كونها من مفيضات ذاته ومعلولاته المترشّحة الفائضة عنه كافّ لانكشافها عنده على التفصيل ولا يفتقر إلى وجوداتها العينية للزوم المفاسد المذكورة. وحينئذ نقول في الجواب عن الاشكال المذكور إذ أورد على العلم الحضوري على ما اخترناه : انّ وجود العلّة مغاير لوجود المعلول ، إلاّ أنّ حضورها يتضمّن حضوره أو يستلزمه نظرا إلى كونه من لوازمه المترشّحة عنه ، فاستلزام تغاير الوجودين لتغاير الحضورين على الاطلاق غير ممنوع ، بل انّما يسلّم ذلك على تقدير كون علم العلّة بالمعلول زائدا على ذاته ـ كما في علوم الممكنات ـ ؛ أمّا إذا كان علم العلّة به عين ذاته ـ كما في علم الواجب تعالى ـ فلا نسلّم انّ حضور العلة حينئذ مباين لحضور المعلول مباينة رافعة للتفصيل والاستلزام. وذلك لانّ حضور الواجب عند ذاته أقوى في انكشاف معلولاته عنده من حضور معلولاته فيه. وبالجملة كون وجود المعلول غير وجود العلّة لا يستلزم أن يكون علم / ١٥٠ DB / العلّة بمعلولاتها على سبيل الحضور الانكشافي موقوفا على حضور المعلولات ، لانّ علم الحضوري بالمعلول يتصوّر من وجهين :
أحدهما : أن يكون المناط فيه حضور ذات المعلول ؛
وثانيهما : أن يكون المناط فيه حضور ما هو أقوى من حضور المعلول والعلم الحضوري للواجب بالأشياء من الوجه الثاني ، لانه يعلم الأشياء بالإضافة الاشراقية من جهة حضور ما هو اقوى في باب الانكشاف ـ أعني : ذاته تعالى ـ فما قيل : من انّ مناط الاتصاف بالعلم أحد من الأمور الثلاثة العينية أو القبول أو الحضور ؛ ممنوع ، إلاّ أنّ الحضور / ١٥٢ MA / أعمّ من حضور المعلول بنفسه أو حضور ما هو ملزومه ومقتضيه.