منزّها عن القيود والكثرة ، وهذا نفس انكشاف الأشياء ، فذاته في مقام الاجمال بمنزلة المرآت لمشاهدة الكلّ منها. فهو قبل ايجاد الأشياء وبعدها ومعها يعلم بها نفس ذاته المقدّسة من غير تغيّر وتبدّل فيها.
وهذا علم الله ـ تعالى ـ بالحقيقة لا الّذي يسمّى بالعلم التفصيلي ، لانّ علمه ـ تعالى ـ يجب أن يكون كماله ، وغيره لا يكون كماله فعلمه بالكلّ بالحقيقة ليس إلاّ العلم الاجمالي الّذي هو نفس ذاته. وان تمرّد شيطان الوهم في الانقياد والقبول وقال : « كيف يمكن أن يكون شيء واحد علما للأمور المتكثّرة مع انّ العلم يتكثّر بتكثّر المعلوم »؟! ، فاطرده بشهاب البرهان وقل : انّه كما كان بوحدته الحقيقيّة متجلّى في الموجودات بترتيب السببي والمسببي من غير لزوم محال فكذلك يكون بعلمه الّذي هو واحد من جميع الجهات وعين ذاته عالما بكلّ شيء. بيانه : انّ كلّ ما هو كمال مطلق للموجود بما هو موجود فهو واجب له ـ تعالى ـ بحيثية ذاته ، ولا شكّ في أنّ علمه ـ تعالى ـ بالأشياء كلّها قبل وجودها ومع الوجود وبعد الوجود من كمال الموجود بما هو موجود ، فهو واجب له في مرتبة ذاته ؛ انتهى.
وغير خفيّ انّ ما ذكره من احاطته بالكلّ احاطة معنوية ومن اندراج الكلّ واستهلاكه في ذاته ـ تعالى ـ وكون ذاته بمنزلة المرآت لمشاهدة الكلّ مسلّم نظرا إلى كون الجميع لوازم ذاته ، إلاّ أنّ ذلك كما يجوز أن يكون مصحّحا للعلم الاجمالي / ١٥١ DA / بالكلّ يجوز أن يكون مصحّحا للتفصيلي ، فما الباعث لنفي العلم التفصيلى عنه في هذه المرتبة مع كونه كمالا مطلقا للواجب ـ تعالى شأنه ـ؟!. فحضور الواجب يستلزم حضور الكلّ تفصيلا في مقام الاجمال والتفصيل معا ـ أي : في مقام انطواء الأشياء جميعا في ذاته وفي مقام بروزها إلى الخارج ممتازة منفصلة ـ. وحينئذ فما ذكره القائل المذكور من الفرق بين مقام الاجمال والتفصيل في حضور الواجب لحضور الغير في الأوّل ومغاير له في الثاني غير صحيح.
وثانيهما ـ أي : ثاني الاشكالين الموردين على القول بأنّ العلم بالعلّة يستلزم العلم بالمعلول ـ : انّه لو كان العلم بالعلّة مستلزم للعلم بالمعلول لزم التسلسل أو الانتهاء إلى