الحقّ في العلم قاعدة الاشراق ، وهو : انّ علمه بذاته هو كونه نورا لذاته وظاهرا لذاته ، وعلمه بالاشياء كونها ظاهرة له على سبيل الحضور الاشراقي ، إمّا بأنفسها أو بمتعلّقاتها الّتي هي مواضع الشعور المستمرّة للمدبّرات العلوية ، وذلك اضافة عدم الحجاب سلبي. والّذي يدلّ على انّ هذا القدر كافّ في علمه بها هو انّ الابصار لمّا كان بمجرّد اضافة ظهور الشيء للبصر مع عدم الحجاب فاضافته إلى كلّ ظاهر له ابصار وادراك له وتعدّد الاضافات العقلية لا يوجب تكثّرا في ذاته » ؛ انتهى.
قيل : بيان هذا المذهب ووضوحه يتوقّف على أن يبحث الانسان أوّلا عن علمه بذاته وعلمه بقواه وآلاته ، ثمّ يرتقى إلى علم ما هو أشدّ تجرّدا عن النفس الانسانية بذاته وبالاشياء الصادرة عن ذاته ، فيعلم منه انّ علم الأوّل ليس بالصور مطلقا ، بل بالمشاهدة الحضورية ، إذ قد تحقّق أنّ النفس غير غائبة عن ذاتها وادراكها لذاتها لا يزيد على ذاتها وإلاّ لم تشر إلى ذاتها « بأنا » ، إذ كلّ صورة زائدة عليها وإن كانت قائمة بها فهي ليست عينها حتّى يشير إليها بأنا. وأيضا لو كان ادراكها لذاتها بصورة لم يكن هذا الادراك على الوجه الجزئي ، إذ كلّ صورة ذهنية وإن تخصّصت بكلّيات كثيرة لم يخرج عن الكلّية المطابقة للكثيرة. ثمّ ادراك النفس لبدنها ووهمها وخيالها إنّما يكون بنفس هذا الأشياء لا بصور زائدة عليها مرتسمة في النفس ، لانّ الصور المرتسمة فيها كلّية فيلزم أن تكون النفس محرّكة لبدن كلّي ومستعملة لقوى كلّية ولم يكن لها ادراك بدنها الخاصّ وقواها الخاصّة ، وهو ليس بصحيح ، فانّه ما من انسان إلاّ ويدرك بدنه الجزئي / ١٥٢ DA / وقواه الجزئية. والنفس يستخدم المتفكّرة في تفصيل الصورة الجزئية وتركيبها حتّى ينتزع الطبائع الكلّية عن الشخصيات الجزئية ويستنبط النتائج من المقدّمات. ولا ريب في أنّ المدرك لجميع ذلك هو النفس ، إذ ليس للقوّة الجسمانية سبيل إلى مشاهدة ذاتها لعدم حضورها عند نفسها ، فانّ وجودها في نفسها هو وجودها لمحلّها لا لنفسها ـ كما مرّ ـ ، كيف والوهم ينكر نفسه وينكر القوى الباطنة وان لم ينكر آثارها ، فاذا لم يكن للوهم ـ الّذي هو رئيس جميع القوى الجسمية الحسّية ـ سبيل إلى ادراك نفسه وادراك سائر القوى الباطنة على سبيل المشاهدة فكذلك حال ساير القوى الجسمية بطريق أولى ، فالمدرك